د تورې تیارې کلونه

حسین مهران d. 1450 AH
30

د تورې تیارې کلونه

سنوات الثقب الأسود

ژانرونه

بات في وسعه الآن التعرف على ملامح وجوه الموجودين بالمكان، وصارت رئتاه متعايشتين مع ذلك الهجوم الخاطف غير المعتاد من الدخان، كان بجوار الباب على الجانب الأيسر رجل أشيب محني الظهر يضيق وجهه بالتجاعيد العميقة، ويرتدي ثيابا قديمة الطراز يبدو أن جسده قد نحل كثيرا عما كان عليه في الزمن الذي اشتراها فيه، كان الرجل ذاهلا عن الدنيا محملقا في فراغ بعيد عبر النافذة، رافعا يده اليمنى بسيجارة بدا أنه قد نسيها فقد كانت تكاد تسقط منها كتلة من الرماد التهمت أكثر من نصف السيجارة، وعلى الجدار المجاور له يستند بظهره شاب طويل القامة في بدلة رسمية يقرأ في كتاب صغير، يمسك به بيد ويدخن سيجارة بالأخرى، انتبه الشاب إلى وجوده بعد أن رفع نظره لأول مرة عن كتابه ثم نظر نحوه في فضول، بعدها ابتسم في ود وهو يدس الكتاب في جيب سترته ، ثم يمد يده داخل الجيب الآخر مخرجا علبة سجائر أجنبية، فتح العلبة ووجهها ناحيته قائلا في نبرة مرحة: يبدو أنك نسيت سجائرك؛ تفضل واحدة.

ارتبك للحظة ثم أجاب وقد ابتسم بدوره في امتنان: لا لا، أشكرك على ذوقك. أنا لا أدخن.

أردف الشاب في إصرار: «يا برنس» إذا لم تكن مدخنا، فما الذي جاء بك إلى هذا المكان الضيق المعبق بالدخان؟ تناول سيجارة ولا تخجل!

أجاب في بعض الضجر وقد ساءه هذا الرفع غير المبرر للكلفة: شكرا، أنا فعلا لا أدخن.

صحراء

ثم جاءت كائنات جديدة، كل تلك الوحوش الغريبة قبيحة ومزعجة وغاشمة بشكل لم تعرفه تلك الصحراء من قبل في تاريخها الممتد من قبل أن توجد كل الوحوش وكل الأشجار، كانت الكائنات الجديدة - بمساعدة بعض البشر الذين لم تكن الصحراء تشهد وجودهم من قبل إلا نادرا - تتقيأ مادة رمادية كريهة فوق هياكل داكنة كشبكات العناكب، لكنها أكثر سمكا وتعقيدا واستقامة، تظل طوال النهار تفرغ ما في جوفها فوق تلك الخطوط المتطابقة المتراصة بانتظام، بدا شاذا بشكل مستفز في بيئة لا شيء فيها مستقيم أو منتظم. ثم جاء الليل وسطعت معه شموس صغيرة أضاءت الصحراء فصار الليل نهارا، فزعت الكائنات الليلية التي كانت تجد أمانها وحياتها في ظلام الليل وستره، فرت هاربة متخبطة من تلك الأضواء العجيبة غير المعتادة. كانت الصحراء تشهد كل شتاءات كثيرة انطماسا للشمس أو للقمر لوقت قصير كان يربك كل الكائنات ويفزعها، ثم يعود كل شيء إلى طبيعته سريعا، لكن لم تكن الصحراء مضيئة في الليل بهذا الشكل قط، ولم يسبق لتلك الشموس الصغيرة أن سطعت هنا من قبل.

واصلت الوحوش في الليل وتحت ضوء تلك الشموس الجديدة ما كانت تفعله بالنهار تحت ضوء الشمس الكبيرة، لم تكن تكل أو تمل، كانت تواصل الليل بالنهار وهي تكرر نفس العمل، تتقيأ وتتقيأ ولا يفرغ جوفها أبدا، لا تتوقف عن الضجيج ولا عن إصدار تلك السحابات الداكنة ذات الروائح المنفرة، حتى تلوثت سماء الصحراء وفسدت أرضها، بل إنه لم تعد هناك صحراء بعد الآن، صار هناك هيكل رمادي هائل الحجم وفارغ من الداخل، كان كطبقات من الأراضي متراصة فوق بعضها البعض تخترقها أشجار طويلة بلا فروع أو أوراق، جذوع رمادية مستقيمة متطابقة الأشكال وحادة الأطراف، كان كل شيء رماديا، الأراضي المتراصة فوق بعضها والأشجار التي تخترقها، كانت كلها باردة صامتة، لم تكن تتحرك، لم يكن الهواء يعبث بها، كأنها ولدت ميتة!

الفصل السابع

أغسطس 1994م

على رصيف محطة السكك الحديدية في طنطا وضع ياسين قدما في تردد بعد أن قرر اختيار الطريق الأول دون أن يكون على ثقة تامة من صحة قراره ذلك، ثم وضع القدم الأخرى استجابة لدفعة خفيفة لكنها فظة بعض الشيء من الراكب الذي وقف خلفه على باب القطار قائلا في لكنة ريفية: هيا يا أستاذ هل ستنزل أم ماذا؟

ناپیژندل شوی مخ