(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(وَهُوَ تَعَالَى حسبي)
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْكَبِير حَافظ الشَّام أَبُو بكر شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر عبد الله الشهير بِابْن نَاصِر الدّين الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي، رَحمَه الله تَعَالَى:
(مُقَدّمَة الْمُؤلف)
الْحَمد لله الْحَيّ الْبَاقِي على الدَّوَام؛ الْمُنْفَرد بالعز والقهر والجلال وَالْإِكْرَام؛ الْحَاكِم بالحمام على الْخَاص ووالعام، فَلَا محيد لأحد عَنهُ وَلَو عمر ألف عَام، جعل الزَّرْع البشري بمنجل الْمَوْت حصيدًا، وَفِي بيدر الأجداث بدياس البلى فقيدًا، ويقسمه يَوْم يذرؤه
1 / 81
خلقا جَدِيدا: فريقًا فِي الْجنَّة، وفريقًا فِي دَار الانتقام، فسبحانه من وَاحِد قهار جواد، وَارِث الْعباد والبلاد، باعث الرفات للمعاد، جَامع النَّاس ليَوْم تدحض فِيهِ الْأَقْدَام. نحمده على مَا سَاءَ وسر /، ونشكره على مَا حلا وَمر، ونؤمن بِمَا قدر من خير وَشر، ونسأله الرضى بِمَا قضى، وسطرته الأقلام. ونشهده أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، ذُو الْقُدْرَة الباهرة، والسطوة الباطشة الْقَاهِرَة، المعيد خلقه بعد الفناء؛ فَإِذا هم بالساهرة فِي يَوْم لَا كالأيام، ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده الْأمين، وَرَسُوله الْمَأْمُون، الَّذِي أنزل عَلَيْهِ فِي كِتَابه الْمكنون، مُخَاطبا لَهُ بقوله تَعَالَى: ﴿إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون﴾ . وَاخْتَارَ لَهُ على هَذِه الدُّنْيَا الدنية
1 / 82
الْوَسِيلَة فِي دَار السَّلَام، صلى الله أشرف الصَّلَوَات عَلَيْهِ، وسَاق من التَّحِيَّات أفضلهَا إِلَيْهِ، وأنزله الْمنزل المقرب لَدَيْهِ، وبلغه نِهَايَة المرام، وَأَعْلَى الْإِكْرَام، وَرَضي الله عَن آله الْأَشْرَاف / السَّادة، وَأَصْحَابه الْأَعْلَام القادة، وتابعيهم فِي الْهدى وَالْعِبَادَة، وَعَلَيْهِم من رَبنَا السَّلَام.
1 / 83
(قصيدة فِي موت النَّبِي [ﷺ])
شعر: [من السَّرِيع]:
(مَا الْأَمر فِي ذِي الدَّار إِلَّا مَنَام ... كل سيدري حِين يَأْتِي الْحمام)
(يَقُول يَا لَيْت وأنى لَهُ ... وَالْمَوْت قد أطلق فِيهِ السِّهَام /)
(يود لَو أمهله لَحْظَة ... يَتُوب فِيهَا عَن ركُوب الْحَرَام)
(أَنى لَهُ التوب وَقد حشرجت ... فِي الصَّدْر مِنْهُ النَّفس للاصطلام)
(يَا نائمين انتبهوا طالما ... غر الأولى الماضين طول الْمقَام /)
(بَينا هم فِي غَفلَة إِذْ أَتَى ... مَا كفهم عَن فعلهم وَالْكَلَام)
(وأسكنوا فِي حُفْرَة أذهبت ... لحومهم لم تبْق غير الْعِظَام)
(بل أسحقت تِلْكَ الْعِظَام الَّتِي ... وجوهها كَانَت تنير الظلام)
(يَا حسن مَا كُنَّا جَمِيعًا فمذ ... ترحلوا عَنَّا أَقَامَ الغرام)
(وَكلما مر حَدِيث لَهُم ... تضَاعف الشوق وَزَاد الهيام)
1 / 84
(لله هَذَا الْمَوْت لم يبْق ذَا ... تقوى لتقواه وَلَا ذَا اجترام)
(وَلَو يحاشي أحدا فِي الورى ... حاشى نَبِي الله ذَا الاحترام /)
(لكنه أنهله كأسه ... وَهُوَ حبيب الله خير الْأَنَام)
(فماجت الأَرْض بِمن فَوْقهَا ... لمَوْته وانهل صوب الْغَمَام)
(وكل عين أنزفت دمعها ... وأهون الدمع عَلَيْهِ انسجام)
(وَأصْبح الْمَسْجِد من فَقده ... يشكو كَذَاك الْبَيْت ثمَّ الْمقَام)
(بل كل أَرض عَمها فَقده ... وَقد علاها بعد نور قتام)
(وَلم يجد خلق كأصحابه ... إِذْ أودعوه تَحت تِلْكَ السَّلَام)
1 / 85
(وَانْصَرفُوا عَنهُ وكل لَهُ ... حزن وهم لَا يُطيق الْكَلَام /)
(لله موت الْمُصْطَفى إِنَّه ... رزء عَظِيم لَا يضاهي الْعِظَام)
(فموته الْخطب الْجَلِيل الَّذِي ... هان بِهِ رزء الْجِيَاد الْكِرَام)
(لكنه حَيّ وَفِي رَوْضَة ال ... وَسِيلَة الْعُظْمَى بِأَعْلَى مقَام)
(عَلَيْهِ صلى الله من فَضله ... وسَاق تَسْلِيمًا إِلَيْهِ دوَام)
(ثمَّ على الْآل وَأَصْحَابه ... وَالتَّابِعِينَ الأطيبين السَّلَام)
(الْإِشَارَة إِلَى دنو أَجله [ﷺ])
قَالَ الله تَعَالَى ﷿ مُخَاطبا لنَبيه الْكَرِيم عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم: ﴿إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح﴾ إِلَى آخر السُّورَة.
المُرَاد بِالْفَتْح: فتح مَكَّة وَمَا داناها. وبالناس: فِيمَا قيل أهل الْيمن وَمَا والاها، لِأَنَّهُ لما / بَلغهُمْ هَذَا الْفَتْح الْمُبين قَالُوا: لَوْلَا أَن مُحَمَّدًا [ﷺ] رَسُول من رب الْعَالمين، لصده عَن بَيته الْحَرَام، وَلم يبلغهُ من فَتحه المرام كَمَا فعل بتبع، وَأَصْحَاب
1 / 86
الْفِيل مِمَّن جعل كيدهم فِي تضليل؛ فَأَيْقنُوا حِينَئِذٍ برسالته احتجاجًا، ودخلوا طائعين فِي دين الله أَفْوَاجًا، وَأسْلمت الْقَبَائِل فُرَادَى وأزواجًا، وَلما شَاهد النَّبِي [ﷺ] ذَلِك وَرَآهُ علم أَن الْأَجَل قريب، فَاسْتَبْشَرَ بلقاء الله. وَهَذِه السُّورَة الشَّرِيفَة نزلت آخر السُّور الْعَظِيمَة، وفيهَا نعيت إِلَى / النَّبِي، [ﷺ]، نَفسه الْكَرِيمَة.
[كَثْرَة استغفاره [ﷺ]]
خرج أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس [﵄] فِي قَول الله ﷿: ﴿إِذا جَاءَ نصر الله / وَالْفَتْح﴾ قَالَ: فتح مَكَّة، نعيت لرَسُول الله [ﷺ] نَفسه، فَاسْتَغْفر الله رَبك، وَاعْلَم أَنه قد حضر أَجلك.
1 / 87
وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس بِمَعْنَاهُ. وَفِي الْبَاب أَحَادِيث سواهُ. فامتثل [ﷺ] بِمَا أَمر بِهِ سَرِيعا. وسارع إِلَى مَا ندب إِلَيْهِ مُطيعًا.
روى الْحسن بن سُفْيَان من طَرِيق أبي مُجَاهِد عبد الله بن كيسَان الْمروزِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس [﵄] قَالَ: " لما أقبل رَسُول الله [ﷺ] من غَزْوَة حنين، وَأنزل الله عَلَيْهِ: ﴿إِذا جَاءَ نصر الله﴾ قَالَ: يَا عَليّ بن أبي طَالب، وَيَا فَاطِمَة: قد جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح، وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا، فسبحان رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، وأستغفره إِنَّه كَانَ تَوَّابًا " أَكثر [ﷺ] / على هَذَا الذّكر الْمُوَاظبَة، وَاسْتَعْملهُ بِهَذَا اللَّفْظ وَمَا قاربه.
1 / 88
قَالَت عَائِشَة [﵂] مَا صلى النَّبِي [ﷺ] صَلَاة بعد أَن أنزلت عَلَيْهِ: ﴿إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح﴾ إِلَّا يَقُول فِيهَا: " سُبْحَانَكَ رَبنَا وَبِحَمْدِك، اللَّهُمَّ اغْفِر لي ". وَصَحَّ عَنْهَا أَيْضا أَنَّهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله [ﷺ] يكثر من قَول: " سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ " فَقلت: يَا رَسُول الله، أَرَاك تكْثر من قَول سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ. فَقَالَ: " خبرني رَبِّي [﷿] أَنِّي سأرى عَلامَة فِي أمتِي، فَإِذا رَأَيْتهَا أكثرت من قَول: سُبْحَانَ / الله وَبِحَمْدِهِ، أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ، فقد رَأَيْتهَا: ﴿إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح﴾ فتح مَكَّة ﴿وَرَأَيْت النَّاس يدْخلُونَ فِي دين الله أَفْوَاجًا﴾ إِلَى آخر السُّورَة.
1 / 89
ويروى عَن أم سَلمَة ﵂ قَالَت: " وَكَانَ النَّبِي [ﷺ] فِي آخر عمره لَا يقوم وَلَا يقْعد / وَلَا يذهب وَلَا يَجِيء إِلَّا قَالَ: " سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ " فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: " إِنِّي أمرت بذلك " وتلا هَذِه السُّورَة ".
بعْدهَا عَاشَ النَّبِي [ﷺ] سنتَيْن فِيمَا شاع.
[تَارِيخ نزُول سُورَة النَّصْر]
وَقيل: نزلت فِي أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق من حجَّة الْوَدَاع.
1 / 90
وَذكر مقَاتل فِي تَفْسِير سُورَة النَّصْر جزما أَن النَّبِي ﷺ َ - عَاشَ بعْدهَا ثَمَانِينَ يَوْمًا.
وَالْمَشْهُور فِي هَذِه الْمدَّة يَقِينا أَنَّهَا بعد قَوْله تَعَالَى: ﴿الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا﴾ .
حدث هَارُون ابْن أبي وَكِيع عنترة بن عبد الرَّحْمَن الشَّيْبَانِيّ الْكُوفِي عَن أَبِيه عَن عمر [رَضِي الله عَنهُ] قَالَ: لما نزلت: ﴿الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا﴾ بَكَى عمر [﵁]، وَقَالَ: يَا رَسُول الله، كُنَّا فِي
1 / 91
/ زِيَادَة من ديننَا، فَلَمَّا أَن أكمل فَلَيْسَ بعد الْإِكْمَال إِلَّا النُّقْصَان. قَالَ: " صدقت ".
[فراسة عمر ﵁]
نظر [عمر ﵁] إِلَى سنة الله فِي عباده من نقص الشَّيْء بعد كَمَال ازدياده، وَعلم أَن نُقْصَان الدّين / موت خَاتم النَّبِيين صلى الله [عَلَيْهِ و] عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، فَبكى لذَلِك وازداد نحيبًا، وَوَقع مَا علمه عمر قَرِيبا، لكنه خَفِي عَلَيْهِ لما وَقع بعد أَيَّام، لينفرد الصّديق بالتصديق قَائِما ذَلِك الْمقَام.
[مرض النَّبِي [ﷺ]]
وَبعد نزُول آيَة الْإِكْمَال المتينة، رَجَعَ النَّبِي [ﷺ] من حجَّته إِلَى الْمَدِينَة، فَوجدَ يَوْم قدم صداعًا فِي رَأسه، وَفِي بدنه
1 / 92
فَتْرَة. وَكَانَ كالمتحلل من آثَار السفرة، ثمَّ عوفي وَمرض فِي صفر سنة إِحْدَى عشرَة.
روى أَبُو مُحَمَّد الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ عَن أَبِيه قَالَ: إِن النَّبِي [ﷺ] مرض لاثْنَتَيْنِ وَعشْرين لَيْلَة من صفر، وَبَدَأَ وَجَعه عِنْد وليدة لَهُ يُقَال لَهَا: رَيْحَانَة، / - كَانَت من سبي الْيَهُود - وَكَانَ أول يَوْم مَرضه يَوْم السبت، فِي لَيْلَة هَذَا السبت الْمَذْكُور خرج النَّبِي [ﷺ] إِلَى البقيع، فَاسْتَغْفر لأهل الْقُبُور.
[زيارته مَقْبرَة البقيع]
وروى سيف بن عمر فِي الْفتُوح عَن مُبشر بن الْفضل
1 / 93
وَابْن اسحاق عَن عبد الله بن عمر العبلي - وَاللَّفْظ لَهُ - جَمِيعًا عَن عبيد بن جُبَير عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ [﵄] عَن أبي مويهبة مولى رَسُول الله [ﷺ] قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله [ﷺ] من جَوف اللَّيْل، فَقَالَ: " يَا أَبَا مويهبة إِنِّي أمرت أَن أسْتَغْفر لأهل البقيع، فَانْطَلق معي ". قَالَ: فَانْطَلَقت مَعَه،، قَالَ: فَلَمَّا وقف بَين أظهرهم، قَالَ: " السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الْمَقَابِر، لِيهن لكم مَا أَصْبَحْتُم مِمَّا أصبح فِيهِ النَّاس، لَو تعلمُونَ مَا نجاكم الله مِنْهُ، أَقبلت الْفِتَن كَقطع اللَّيْل المظلم يتبع أخراها / أولاها. الْآخِرَة شَرّ من الأولى ". ثمَّ أقبل عَليّ فَقَالَ: يَا أَبَا مويهبة / هَل علمت أَنِّي قد أُوتيت مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا والخلد فِيهَا ثمَّ الْجنَّة؟ خيرت بَين ذَلِك وَبَين لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة ". قَالَ: قلت: بِأبي أَنْت وَأمي فَخذ مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا والخلد فِيهَا ثمَّ الْجنَّة. قَالَ: " لَا وَالله يَا أَبَا مويهبة، لقد اخْتَرْت لِقَاء رَبِّي وَالْجنَّة ". قَالَ: ثمَّ اسْتغْفر لأهل البقيع، ثمَّ انْصَرف؛ فَبَدَأَ رَسُول الله [ﷺ] فِي وَجَعه الَّذِي قَبضه الله فِيهِ حِين
1 / 94
أصبح. خرجه الإمامان أَحْمد والدارمي فِي مسنديهما لِابْنِ إِسْحَاق.
[وجع النَّبِي [ﷺ]]
وَحدث ابْن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ وَيزِيد بن رُومَان وَأبي بكر بن عبد الله: " أَن الَّذِي كَانَ، ابتدئ بِهِ رَسُول الله ﷺ من وَجَعه الَّذِي لزمَه أَن دخل على عَائِشَة [﵂]، وَهُوَ يجد صداعًا، فَوَجَدَهَا تصدع / وَتقول: وَا رأساه، فَقَالَ [ﷺ]: " بل أَنا وَالله يَا عَائِشَة وَا رأساه " قَالَت:
1 / 95
فوَاللَّه لطار عني مَا أجد، وكدت أَن أستطار، فسكنني بالمزاح على تجشم مِنْهُ، فَقَالَ: " وَمَا ضرك يَا عَائِشَة لَو مت قبلي فأقوم عَلَيْك وأليك، وأصلي عَلَيْك؟ ! قَالَت: فتفاءلت لَهُ: فَمَا نجاني مِمَّا خشيت الحذر، وَقلت: أجل وَالله لكَأَنِّي بك قد فعلت وَقد أعرست بِبَعْض نِسَائِك فِي بَيْتِي من آخر ذَلِك الْيَوْم. فَتَبَسَّمَ رَسُول الله [ﷺ] ثمَّ تَمَادى بِهِ وَجَعه، وَهُوَ فِي ذَلِك يدورعلى نِسَائِهِ حَتَّى اسْتعزَّ برَسُول الله [ﷺ]، وَهُوَ فِي بَيت مَيْمُونَة [﵂] قَالَت: فَلَمَّا رَأَوْا مَا بِهِ اجْتمع رَأْي من فِي الْبَيْت على أَن يلدوه وتخوفوا / أَن يكون بِهِ ذَات الْجنب، فَفَعَلُوا، ثمَّ فرج عَن رَسُول الله [ﷺ]،
1 / 96
وَقد لدوه، فَقَالَ من فعل / هَذَا فهبنه واعتللن بِالْعَبَّاسِ [﵁]، فَاتخذ جَمِيع من فِي الْبَيْت الْعَبَّاس سَببا، وَلم يكن لَهُ فِي ذَلِك رَأْي. فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، عمك الْعَبَّاس أَمر بذلك، وتخوفنا أَن تكون بك ذَات الْجنب. فَقَالَ: " أَنَّهَا من الشَّيْطَان. وَلم يكن الله [﷿] ليسلطه عَليّ، وَلَا ليرميني بهَا، وَلَكِن هَذَا عمل النِّسَاء، لَا يبْقى فِي الْبَيْت أحد إِلَّا لد إِلَّا عمي الْعَبَّاس، فَإِن يَمِيني لَا تناله "، فلدوا كلهم، ولدت مَيْمُونَة، وَكَانَت صَائِمَة لقَوْل رَسُول الله [ﷺ] .
ثمَّ خرج رَسُول الله [ﷺ] إِلَى بَيت عَائِشَة - وَكَانَ يَوْمهَا - بَين الْعَبَّاس وَعلي وَالْفضل مُمْسك بظهره، وَرجلَاهُ تخطان فِي الأَرْض حَتَّى دخل على عَائِشَة فَلم يزل عِنْدهَا مَغْلُوبًا لَا يقدر على الْخُرُوج، وَغير مغلوب وَهُوَ يقدر على الْخُرُوج / من بَيتهَا إِلَى غَيره ". غَلَبَة النَّبِي [ﷺ] فِي شكواه كَانَت من شدَّة حماه.
1 / 97
[شدَّة الْحمى الَّتِي نزلت بِالنَّبِيِّ [ﷺ]]
خرج الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند، وَكتاب الزّهْد، وَابْن سعد فِي الطَّبَقَات، وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَرَض وَالْكَفَّارَات، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَصَححهُ، وَاللَّفْظ لِأَحْمَد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ [﵁] قَالَ: وضع رجل يَده على النَّبِي [ﷺ] فَقَالَ: وَالله مَا أُطِيق أَن أَضَع يَدي عَلَيْك من شدَّة حماك فَقَالَ النَّبِي صلى الله / عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا معشر الْأَنْبِيَاء يُضَاعف لنا الْبلَاء كَمَا يُضَاعف لنا الْأجر. إِن كَانَ
1 / 98
النَّبِي [ﷺ] من الْأَنْبِيَاء [عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام] ليبتلى بالقمل حَتَّى يقْتله، وَإِن النَّبِي [[ﷺ]] من الْأَنْبِيَاء [عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام] ليبتلى بالفقر حَتَّى يَأْخُذ العباءة فيجوبها، وَإِن كَانُوا ليفرحون بالبلاء كَمَا يفرحون بالرخاء " وَله شَاهد من حَدِيث عمر بن الْخطاب، وَابْن مَسْعُود، وَأبي
1 / 99
الدَّرْدَاء، وَعَائِشَة، وَفَاطِمَة / بنت الْيَمَان [﵃] .
[رَغْبَة أبي بكر فِي تمريض النَّبِي [ﷺ]]
وَحين أصَاب النَّبِي [ﷺ] من وعكه شدَّة، سَأَلَهُ أَبُو بكر [﵁] أَن يمرضه عِنْده.
روى سيف فِي الْفتُوح عَن ابْن عمر [رضى الله عَنْهُمَا]، قَالَ: جَاءَ أَبُو بكر [﵁] إِلَى النَّبِي [ﷺ] فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إيذن لي فأمرضك وأكون الَّذِي أقوم عَلَيْك. فَقَالَ: " يَا أَبَا بكر إِن لم تحمل أزواجي وبناتي علاجي ازدادت مصيبتي عَلَيْهِم عظما، وَقد وَقع أجرك على الله تَعَالَى ". وَكَانَ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام يقسم بَين نِسَائِهِ حظهن من
1 / 100