ولما كان اللواط أكثر أثمًا وأقبح فحشًا وكانت مفسدته من أعظم المفاسد كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أقبح العقوبات وهو أعظم عند الله من الزنا بالنساء وهو الزنا بالذُّكران، فهذا أقبح القبيح، وأفحش الفحشاء، وقد أخبر الله تعالى في القرآن عن قصة قوم لوط، وعظم مصيبتهم كما قال تعالى: (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين. إِنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساْ) الآية. قال ابن القيم ﵀: لم يبتل الله ﷾ بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدًا من العالمين وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمة غيرهم، وجمع عليهم أنواعًا من العقوبات من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكل بهم نكالا لم ينكله بأمة سواهم؛ وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض أن تميد بهم من جوانبها إذا عملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شاهدوها خشية نزول العذاب على أهلها، فتصيبهم معهم وتعج الأرض إلى ربها ﵎، وتكاد الجبال أن تزول عن أماكنها.
وقيل: إن المفعول به القتل خيرٌ له من وطئه؛ فإنه إذا وطه الرجل قتله قتلًا لا ترجى الحياة معه؛ بخلاف قتله، فإنه مظلوم شهيد، وإنما ينتفع به في آخرته. قالوا والدليل على هذا: أن الله ﷾ جعل حد القاتل إلى خيرة الولي، إن شاء قتل وإن شاء عفا، وحتم قتل اللوطي حدًا كما أجمع عليه الصحابة ﵃، ودلت علية سنة رسول الله ﷺ الصحيحة الصريحة الي لا معارض لها؛ بل عليها عمل أصحابه وخلفائه الراشدين ﵃.
وقال ابن القيم أيضًا ﵀: على كل عاقل أن لا يسلك سبيلًا حتى يعلم سلامتها وآفاتها وما توصله إليه تلك الطريق من سلامة أو عطب، وهذان السبيلان هلاك الأولين والآخرين بهما، وفيهما من المعاطب والمهالك ما فيهما ويفضيان بصاحبهما إلى أقبح الغايات وشر موارد المهلكات؛ ولهذا جعل الله ﷾ سبيل الزنا ساء سبيلًا. فقال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) إذا كانت هذه سبيل الزنا فكيف سبيل اللواط التي تعدل الفعلة منه في الإثم والعقوبة أضعافها واضعاف أضعافها من الزنا.
سبيل الزنا أسوأ سبيل
فأما سبيل الزنا فأسوأ سبيل، ومقيل أهلها في الجحيم شر مقيل، ومستقر أرواحهم في البرزخ في تنور من نار يأتيهم لهبها من تحتهم، فإذا أتاهم اللهب عجوا وارتفعوا ثم يعودون إلى مواضعهم فهم هكذا إلى يوم القيامة كما رأى النبي ﷺ في منامه، ورؤيا الأنبياء حق لاشك فيها فقال في أمر التنور: فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا قال ﷺ: " ثم قلت: من هؤلاء؟ " فقالوا: أما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني، فالزنا أعظم من شرب الخمر. قال الإمام الأجل أحمد حنبل ﵀: ليس بعد قتل النفس شىءٍ أعظم من الزنا. والزنا يجمع خلال الشرك كُلُّها من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانيًا معه ورع ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث ولا محافظة على صديق ولا غيرة تامة على أهله، فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء، وعدم الأنفة للحريم، وذهاب الغيرة من القلب من شعبه.
ظهور الزنا من أمارات الساعة وخراب العالم:
واعلم أن ظهور الزنا من أمارات خراب العالم وهو من أشراط الساعة كما في الصحيحن عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه قال: " ألا أحدثكم حديثا لا يحدثكم أحد بعدي سمعته من رسول الله ﷺ يقول: " من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل، ويفشوا الزنا ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد " وقد وقعت سُنّةُ الله ﷾ في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله ﷾ أشد غضبه وتعالى أشد غضبه فلابد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة. قال عبد الله مسعود رضى الله عنه: فما ظهر الزنا في قرية إلا أذن الله بهلاكها. ورأى بعض أحبار بني إسرئيل ابنًا له يغامر امرأة فقال: مهلًا يا بني، فصرع الأب عن سريره فانقطع نخاعه وأسقطت امرأته وقيل له هكذا غضبت لى.
فصل
في بيان تحذير سماع الغناء والقصائد
1 / 27