Salat al-Mareed
صلاة المريض
خپرندوی
مطبعة سفير
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
٣٣
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
_
صلاة المريض
مفهوم، وفضائل، وآداب، وكيفية، وأحكام
في ضوء الكتاب والسنة
ناپیژندل شوی مخ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد.
فهذه رسالة مختصرة في «صلاة المريض» بيّنت فيها: مفهوم المرض، ووجوب الصبر، وفضله، والآداب التي ينبغي للمريض أن يلتزمها، وأوضحت يسر الشريعة الإسلامية وسماحتها، وكيفية طهارة المريض بالتفصيل، وكيفية صلاته بإيجاز وتفصيل، وحكم الصلاة: في السفينة، والباخرة، والقطار، والطائرة، والسيارة، بإيجاز وبيان مفصَّل، كما أوضحت حكم صلاة النافلة في السفر
1 / 3
على جميع وسائل النقل، وقرنت كل مسألة بدليلها ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀ ورفع درجاته في الفردوس الأعلى.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولًا، مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر بين المغرب والعشاء يوم السبت الموافق ١٥/ ١٢/١٤٢١هـ.
1 / 4
أولًا: مفهوم المرض: المرض: السُّقم، نقيض الصحة، ويقال: المرض والسُّقم في البدن والدين جميعًا، كما يقال الصحة في البدن والدين جميعًا، والمرض في القلب يطلق على كل ما خرج به الإنسان عن الصحة في الدين، وأصل المرض: النقصان، يقال: بدن مريض: ناقص القوة، ويقال: قلب مريض: ناقص الدين، والمرض في القلب: فتورٌ عن الحق، وفي الأبدان، فتورُ الأعضاء (١)، والمرض: جمع أمراض؛ فساد المزاج وسوء الصحة بعد اعتدالها، ومرض الموت: العلة التي يقرر الأطباء أنها علة مميتة (٢). وعلى هذا فالمريض: هو الذي اعتلت صحته، سواء كانت في جزء من بدنه أو في جميع بدنه (٣).
ثانيًا: صبر المريض واحتسابه المريض يجب عليه
_________
(١) انظر: لسان العرب لابن منظور، باب الضاد، فصل الميم، ٧/ ٢٣١ - ٢٣٢، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، باب الضاد، فصل الميم، ص٨٤٣، والمعجم الوسيط، ٢/ ٨٦٣، ومختار الصحاح، مادة «مرض»، ص٢٥٩.
(٢) انظر: معجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور محمد روّاس، ص٣٩١.
(٣) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، ٤/ ٤٥٩.
1 / 5
أن يصبر ويحتسب على الله ﷿ الثواب الذي وعده سبحانه الصابرين، قال الله ﷿: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (١). وقال ﷿: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ (٢). وقال ﷾: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ (٣). وقال ﷿: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (٤). وقال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (٥). وقال تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (٦). وقال تعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ (٧). وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (٨). وقال رسول الله ﷺ: «... والصبر ضياء» (٩). وعن صهيب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضّراء صبر فكان خيرًا له» (١٠). وعن أنس ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الله
_________
(١) سورة الزمر، الآية: ١٠.
(٢) سورة محمد، الآية: ٣١.
(٣) سورة الأنبياء، الآية: ٣٥.
(٤) سورة الحديد، الآيتان: ٢٢ - ٢٣.
(٥) سورة التغابن، الآية: ١١.
(٦) سورة البقرة، الآيات: ١٥٥ - ١٥٧.
(٧) سورة الشورى، الآية: ٤٣.
(٨) سورة البقرة، الآية: ١٥٣.
(٩) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم ٢٢٣، من حديث أبي مالك الأشعري ﵁.
(١٠) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، برقم ٢٩٩٩.
1 / 6
﷿ قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوَّضته منهما الجنة» يريد عينيه (١).
وعن عائشة ﵂ أنها سألت رسول الله ﷺ عن الطاعون فأخبرها «أنه كان عذابًا يبعثه الله على من شاء فجعله رحمة للمؤمنين (٢)، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد» (٣). وقال ﷺ:
_________
(١) البخاري، كتاب المرض، باب فضل من ذهب بصره، برقم ٥٦٥٣.
(٢) الطاعون: قيل هو الموت العام، وقيل: المرض العام الذي يفسد له الهواء، وتفسد به الأمزجة والأبدان، وقيل: هو الوباء، وقيل: هو المرض الذي يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات، وقيل: أصل الطاعون: القروح الخارجة في الجسد، والوباء عموم الأمراض، فسميت طاعونًا لشبهها بها في الهلاك، وإلا فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونًا، انظر: فتح الباري لابن حجر، ١٠/ ١٨٠، وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات، ٣/ ١٨٦: «مرض معروف هو بثر وورم مؤلم جدًا يخرج مع لهب ويسودّ ما حواليه، أو يخضرّ أو يحمرّ حمرة بنفسجية كدرة يحصل معه خفقان القلب والقيء، ويخرج في المراق والآباط غالبًا والأيدي والأصابع وسائر الجسد» ورجح ابن حجر في فتح الباري، ١٠/ ١٨١ «أن الطاعون يكون من طعن الجن وقرعه»، واستشهد لذلك بأدلة وصحح بعضها.
(٣) البخاري، كتاب الطب، باب أجر الصابر على الطاعون، برقم ٥٧٣٤.
1 / 7
«... إنما الصبر عند الصدمة الأولى» (١).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة ﵄ عن النبي ﷺ قال: «ما يصيب المسلم من نصب (٢)، ولا وصب (٣)، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» (٤).
وعن عبد الله بن مسعود ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من مسلم يُصيبه أذى من مرض فما سواه إلاّ حطَّ الله سيئاته كما تحطّ الشجرة ورقها» (٥).
وعن عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: «ما من
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الجائز، باب زيارة القبور، برقم ١٢٨٣، ومسلم، كتاب الجنائز، باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى، برقم ٩٢٦.
(٢) النصب: التعب.
(٣) الوصب: المرض.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم ٥٦٤١، ٥٦٤٢، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم ٢٥٧٣.
(٥) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب شدة المرض، برقم ٥٦٤٧، ٥٦٤٨، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم ٢٥٧١.
1 / 9
مسلم يشاك شوكة فما فوقها، إلا كُتب له بها درجة ومُحيت عنه بها خطيئة» (١).
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من يُرد الله به خيرًا يُصبْ (٢) منه» (٣).
وعن أنس ﵁ يرفعه: «إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السُّخط» (٤).
وعن مصعب بن سعد عن أبيه ﵁ قال: قلت: يا رسول
_________
(١) مسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم ٢٥٧٢.
(٢) يصب منه: معناه يبتليه بالمصائب، ليثيبه عليها، وقيل: يوجه إليه البلاء فيصيبه. فتح الباري لابن حجر، ١٠/ ١٠٨، وسمعت شيخنا ابن باز ﵀ يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم ٥٦٤٥: «أي يصيبه بالمصائب بأنواعها، وحتى يتذكر فيتوب، ويرجع إلى ربه».
(٣) البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم ٥٦٤٥.
(٤) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم ٢٣٩٦، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم ٤٠٣١، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، ٢/ ٥٦٤، وفي صحيح ابن ماجه، ٣/ ٣٢٠، وفي الصحيحة، برقم ١٤٦.
1 / 10
الله، أي الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صُلبًا، اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقةٌ ابتلي على حسب دينه، فما يبرحُ البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة» (١).
ثالثًا: المسلم يسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ولا يسأل البلاء؛ لحديث العباس بن عبد المطلب ﵁ قال: قلت: يا رسول الله علمني شيئًا أسأله الله؟ قال: «سل الله العافية»، فمكثت أيامًا ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئًا أسأله الله، فقال لي: «يا عباسُ يا عمَّ رسول الله: «سل الله العافية في الدنيا والآخرة» (٢)؛
_________
(١) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم ٢٣٩٨، وابن ماجه في كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم ٤٠٢٣، وقال الألباني في صحيح الترمذي، ٢/ ٥٦٥، وفي صحيح ابن ماجه، ٣/ ٣١٨، وفي الصحيحة، برقم ١٤٣، ٢٢٨٠: «حسن صحيح».
(٢) الترمذي، كتاب الدعوات، بابٌ: حدثنا يوسف بن عيسى، برقم ٣٥١٤، وقال: هذا حديث صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، ٣/ ٤٤٦، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ١٥٢٣.
1 / 11
ولحديث أبي بكر الصديق ﵁ أن النبي ﷺ قال على المنبر: «سلوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقين خيرًا من العافية» (١)؛ ولحديث عبد الله بن عمر ﵄ قال: كان من دعاء رسول الله ﷺ: «اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك» (٢)؛ ولحديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ «كان يتعوذ من سوء القضاء، ومن درك الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن جهد البلاء» (٣).
رابعًا: الاجتهاد في حال الصحة في الأعمال الصالحة؛ لتكتب له كاملة في حال عجزه عن العمل؛ لحديث أبي
_________
(١) الترمذي، كتاب الدعوات، بابٌ: حدثنا محمد بن بشار، برقم ٣٥٥٨، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، برقم ٣٨٤٩، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي، ٣/ ٤٦٤: «حسن صحيح»،وفي صحيح ابن ماجه،٣/ ٢٥٩: «صحيح».
(٢) مسلم، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، برقم ٢٧٣٩.
(٣) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، بابٌ: في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء، وغيره، برقم ٢٧٠٧.
1 / 12
موسى الأشعري ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا» (١)
خامسًا: يُسْر الشريعة الإسلامية وسهولتها؛ وكمالها، قال الله ﷿: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (٢). وقال سبحانه: ﴿يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (٣). وقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (٤). وقال النبي ﷺ: «دعوني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (٥).
_________
(١) البخاري، كتاب الجهاد والسير، بابٌ: يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، برقم ٢٩٩٦.
(٢) سورة الحج، الآية: ٧٨.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٨٥.
(٤) سورة التغابن، الآية: ١٦.
(٥) متفق عليه من حديث أبي هريرة ﵁: البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ، برقم ٧٢٨٨، ومسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم ١٣٣٧.
1 / 13
وقال ﷺ: «إن الدين يسر» (١).
سادسًا: كيفية طهارة المريض على النحو الآتي:
١ - يجب على المريض أن يتوضأ من الحدث الأصغر: (نواقض الوضوء)، ويغتسل من الحدث الأكبر: (موجبات الغسل).
٢ - يجب أن يزيل ما على السبيلين من النجاسة بالماء قبل الوضوء؛ لأن النبي ﷺ كان يستنجي بالماء (٢).
والاستجمار بالحجارة، أو ما يقوم مقامها يقوم مقام الاستنجاء بالماء، ويقوم مقام الحجارة ما في معناها من كل جامد طاهر ليس له حرمة: كالخشب، والخرق، والمناديل، وكل ما أنقى به فهو كالحجارة على الصحيح (٣)؛ لقوله ﷺ: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه
_________
(١) البخاري، كتاب الإيمان، بابٌ: الدين يسر، برقم ٣٩ من حديث أبي هريرة ﵁.
(٢) متفق عليه من حديث أنس ﵁، البخاري، كتاب الوضوء، باب الاستنجاء بالماء، برقم ١٥٠، ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالماء من التبرز، برقم ٢٧١.
(٣) انظر: المغني لابن قدامة، ١/ ٢١٣.
1 / 14
بثلاثة أحجار يستطيب بهن؛ فإنها تجزئ عنه» (١). ولابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار أو ما يقوم مقامها فأكثر؛ لحديث سلمان ﵁ يرفعه إلى النبي ﷺ: «لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع (٢) أو بعظم» (٣). فإن لم تكفِ ثلاثة أحجار زاد رابعًا، وخامسًا حتى ينقي المحل، والأفضل أن يقطع الاستجمار على وتر؛ لحديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ وفيه: «ومن استجمر فليوتر» (٤).
والأفضل أن يستجمر الإنسان بالحجارة ثم يتبعها بالماء؛ لأن الحجارة تزيل عين النجاسة والماء يطهر
_________
(١) أبو داود، من حديث عائشة ﵂ برقم ٤٠، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، ١/ ١٠، وتقدم تخريجه في الطهارة في آداب قضاء الحاجة.
(٢) الرجيع: الروث والعذرة.
(٣) مسلم، برقم ٢٦٢، وتقدم تخريجه في الطهارة، في آداب قضاء الحاجة.
(٤) متفق عليه: البخاري، برقم ١٦٢، ومسلم، برقم ٢٣٧، وتقدم تخريجه في الطهارة، آداب قضاء الحاجة.
1 / 15
المحل، فيكون أبلغ في الطهارة، وهو مخير بين الاستجمار بالحجارة، أو الاستنجاء بالماء أو الجمع بينهما وهو الأفضل، وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لأنه يطهر المحل ويزيل العين والأثر.
والاستنجاء يكون من الخارج الرطب من السبيلين: كالبول والغائط، أما النوم، والريح، وأكل لحم الإبل، ومس الفرج فلا يُستنجى منها؛ لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة من السبيلين (١).
٣ - إذا كان المريض لا يستطيع الحركة؛ فإنه يوضئه شخص آخر، وإذا كان عليه حدث أكبر ساعده في الغسل، ولا ينظر إلى عورته.
٤ - فإن كان المريض لا يستطيع أن يتطهر بالماء؛ لخوفه تلف النفس، أو تلف عضو، أو حدوث مرض، أو لعجزه، أو خوف زيادة المرض أو تأخر برئه؛ فإنه يتيمم؛
_________
(١) انظر: فتاوى سماحة الشيخ ابن باز، ١٢/ ٢٣٦.
1 / 16
لقول الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ (١).
وكيفية التيمم: أن ينوي رفع الحدث، ثم يضرب بيديه على التراب الطاهر ضربة واحدة فيمسح جميع وجهه، بباطن أصابعه، ثم يمسح كفيه براحتيه؛ لقول الله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ (٢)؛ ولقوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (٣).
_________
(١) سورة النساء، الآية: ٢٩.
(٢) سورة النساء، الآية: ٤٣.
(٣) سورة المائدة، الآية ٦.
1 / 17
٥ - فإن لم يستطع أن يتيمم بنفسه؛ فإنه ييممه من عنده من المرافقين أو الحاضرين، يحضر التراب الطاهر ثم ييممه به.
٦ - من به جروح أو كسر أو مرض يضره استعمال الماء؛ فإنه يتيمم سواء كان محدثًا حدثًا أصغر أو أكبر، لكن لو أمكنه أن يغسل الصحيح من جسده أو أعضائه وجب عليه ذلك وتيمم للباقي؛ لقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (١)؛ ولقوله ﷾: ﴿لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ (٢).
٧ - إذا كان في بعض أعضاء الطهارة جرح يستطيع أن يغسله بالماء غسله، فإن كان الغسل بالماء يؤثر عليه مسحه بالماء مسحًا، فإن كان المسح يؤثر عليه أيضًا فإنه يشد عليه جبيرة أو لزقة ويمسح عليها، فإن عجز فحينئذ يتيمم عنه بعد الطهارة.
_________
(١) سورة التغابن، الآية: ١٦.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٨٦.
1 / 18
أما إذا كان الجرح مستورًا بجبس أو لزقة أو جبيرة، أو ما أشبه ذلك ففي هذا الحال يمسح على الساتر ويغنيه عن الغسل، ولا يشترط لبس الجبيرة على طهارة على القول الراجح، وليس للمسح على الجبيرة توقيت؛ لأن مسحها لضرورة فيقدر بقدرها، ويمسح عليها في الحدث الأكبر والأصغر (١). والصواب أنه إذا مسح على العضو يكفيه عن التيمم، فلا يجمع بين المسح والتيمم إلا إذا كان هناك عضو آخر لم يستطع المسح عليه (٢).
٨ - إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارته إلى وقت الصلاة الأخرى؛ فإنه يصليها بالتيمم الأول؛ ولا يعيد التيمم للصلاة الثانية؛ لأنه لم يزل على طهارته ولم يحصل ما يبطلها من نواقض الطهارة؛ لأن التيمم لا يبطل إلا بما يبطل الوضوء.
_________
(١) انظر: ما تقدم في الطهارة: المسح على الجبائر.
(٢) انظر: فتاوى العلامة ابن باز،١٢/ ٢٤٠،وفتاوى العلامة ابن عثيمين،١١/ ١٥٥، ١٧٢.
1 / 19
٩ - يجب على المريض أن يطهر بدنه وثيابه، وموضع صلاته من النجاسات، فإن عجز عن شيء من ذلك ولم يجد من يقوم بتطهير النجاسة صلى على حسب حاله وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، ولكن لو استطاع أن يبدل ثيابه النجسة بثياب أخرى طاهرة أو يفرش على الفراش النجس فراشًا طاهرًا وجب عليه ذلك.
١٠ - لا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطهارة، بل يتطهر بقدر ما يستطيع، ويطهر بدنه وثوبه والبقعة التي يصلي عليها؛ فإن عجز عن استعمال الماء تيمم، فإن عجز عن استعمال التيمم سقطت عنه الطهارة وصلى على حسب حاله (١).
١١ - المريض المصاب بسلس البول، أو استمرار خروج الدم، أو الريح، ولم يبرأ بمعالجته، عليه أن يتوضأ لكل
_________
(١) انظر: ما تقدم في الطهارة: التيمم، ومن يجوز له التيمم، ونواقض التيمم ومبطلاته، وفاقد الطهورين: الماء والتراب. وانظر: فتاوى العلامة ابن باز، ١٢/ ٢٣٩، وفتاوى العلامة ابن عثيمين، ١١/ ١٥٦.
1 / 20
صلاة بعد دخول وقتها، ويغسل ما يصيب بدنه، وثوبه، أو يجعل للصلاة ثوبًا طاهرًا إن تيسر له ذلك، ويحتاط لنفسه احتياطًا يمنع انتشار البول أو الدم في ثوبه أو جسمه، أو مكان صلاته، وله أن يفعل في وقت الصلاة ما تيسر من صلاة، وقراءة في المصحف حتى يخرج الوقت فإذا خرج الوقت فعليه أن يعيد الوضوء أو التيمم إن عجز عن الوضوء؛ لأن النبي ﷺ أمر المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة (١)؛ولقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (٢)، وهذا فيه الدلالة على يسر الشريعة وسماحتها (٣).
سابعًا: كيفية صلاة المريض على النحو الآتي:
١ - يجب على المريض الذي لا يخاف زيادة مرضه أن
_________
(١) تقدمت الأدلة في الطهارة في أحكام السلس والاستحاضة، وانظر فتاوى العلامة ابن باز، ١٢/ ٢٤٠.
(٢) سورة التغابن، الآية: ١٦.
(٣) انظر: مجموع فتاوى العلامة ابن باز، ١٢/ ٢٣٥ - ٢٤١، ومجموع فتاوى ورسائل العلامة ابن عثيمين، ١١/ ١٥٤ - ١٥٦.
1 / 21
يصلي الفريضة قائمًا؛ لقول الله تعالى: ﴿وَقُومُواْ لله قَانِتِينَ﴾ (١).
٢ - إن قدر المريض على القيام بأن يتكئ على عصا أو يستند إلى حائط أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه القيام؛ لحديث وابصة ﵁ عن أم قيس ﵂: أن رسول الله ﷺ لما أسنَّ وحمل اللحم اتخذ عمودًا في مصلاه يعتمد عليه (٢)؛ ولأنه قادر على القيام من غير ضرر؛ لحديث عمران بن حصين ﵁ أن النبي ﷺ قال له: «صلّ قائمًا ...» (٣).
٣ - إن قدر المريض على القيام إلا أنه يكون منحنيًا على هيئة الراكع؛ كالأحدب، أو الكبير الذي انحنى ظهره وهو يستطيع القيام لزمه القيام؛ لحديث عمران ﵁ المتقدم.
٤ - المريض الذي يقدر على القيام لكنه يعجز عن
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ٢٣٨.
(٢) أبو داود، كتاب الصلاة، باب الرجل يعتمد في الصلاة على عصا، برقم ٩٤٨، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٢٦٤، وفي الأحاديث الصحيحة، برقم ٣١٩.
(٣) البخاري، برقم ١١١٧، وتقدم تخريجه في صفة الصلاة.
1 / 22