فتحول جوهر إلى قراقوش وقبض منه الدنانير ودفعها إلى الشيخ وهو يقول له همسا: «هذه هي الدنانير، لكن ينبغي أن تختصني منها بدينار تدفعه إلي غدا صباحا، فهمت؟»
قال : «حسنا.» وكان ينوي ألا يدفع إليه شيئا، بل اعتزم أن ينتحل حجة في الصباح يقبض بها دينارا سادسا فيدعي أنهم أضاعوا شيئا من الأثاث أو نحو ذلك.
ثم تحول الشيخ إلى الداخل وعاد بعد قليل والمصباح بيده ومعه امرأته وهي تقول: «يظهر أن هذا الضيف عزيز عليك حتى أخرجتني من البيت لأجله.»
فقال: «كيف لا؟» وأشار إلى بهاء الدين أن يتفضل. فتحول بهاء الدين عن بغلته فأدخلها جوهر تحت قنطرة بجوار المنزل شدها إلى حلقة دقت هناك لمثل هذه الغاية. ودخل ودفع حاييم المصباح إلى جوهر وانصرف وهو يوصيه بالبيت خيرا. •••
دخل قراقوش البيت مع جوهر غير مبال بما يتصاعد من ممراته من الروائح القذرة، ثم أقفلا الباب وأوصداه، ومشى جوهر بالمصباح بين يدي قراقوش وهما يسترقان الخطى لئلا يسمع لهما صوت. ولم يمشيا طويلا حتى سمعا ضوضاء عميقة فقال جوهر: «نحن بجانب مجلس القوم ليس بننا وبينهم إلا الحائط. اصبر قليلا.»
وكان قراقوش منذ خروجه من منزله يتحفز للدفاع عن نفسه ويده على خنجره ليغمده في صدر جوهر إذا آنس منه خيانة، فلم يلحظ منه شيئا، فلما استهله وقف وهو يحدق فيه فإذا هو يشير إليه أن يصعد على سلم ضيق يؤدي إلى سقيفة أعلى الغرفة. فصعد معه، ومن هناك اتصلا إلى السطح من باب ضيق. ورأيا السماء فوق رأسيهما ونظر بهاء الدين إلى ما يحيط بهما فإذا هما والأسطح حولهما. فقال جوهر بصوت ضعيف: «لنترك المصباح على السقيفة ونمشي في الظلام لئلا يفتضح أمرنا.»
فأطاعه ومشى والضوضاء تزداد وضوحا حتى انتهى به إلى حائط فقال: «هذا حائط آخر من حوائط قاعة الاجتماع.»
فرأى بهاء الدين في أعلى الحائط كوة قد انبثق النور منها، فتقدم نحوها فسبقه جوهر وقال: «انظر هنا.»
فنظر فرأى قاعة غاصة بالناس قعودا على وسائد مصفوفة في الغرفة فوق بساط. وقد علت الضوضاء ووقف بالباب رجل أسنده بظهره كأنه يمنع من شاء الدخول، فهمس في أذن بهاء الدين قائلا: «هل ترى جيدا؟» قال: «نعم، لكنني لم أعرف أحدا منهم غير أبي الحسن، من هذا الجالس إلى جانبه؟» قال: «إن الذي تراه إلى يمينه عمارة بن أبي الحسن الشاعر اليمني، وإلى يساره القاضي العويرس، وبعده داعي الدعاة، وإلى الجانب الآخر عبد الصمد الكاتب وآخرون. وكلهم من الشيعة كما تعلم. انظر في وسط الغرفة ماذا ترى؟»
قال: «أرى سيفا ومصحفا، أظنهم يحلفون عليهما.» قال: «نعم.»
ناپیژندل شوی مخ