وإنهما لفي ذلك إذ سمعتا دبدبة عند باب القصر، فخافت سيدة الملك ونهضت ياقوتة وهي تقول: «لا تخافي يا سيدتي بعد أن سماك صلاح الدين أخته.» ولم تصل إلى باب الغرفة حتى سمعت قارعا يقرعه بلطف فسري عنها، وفتحته فرأت قراقوش واقفا باحترام وهو يقول: «هل مولاتنا سيدة الملك هنا؟»
قالت: «نعم، ماذا تريد منها؟ إنها في أشد حالات الحزن.»
قال: «أريد أن أعزيها وأطمئنها وأطلب إليها بألا تهتم بما تراه من دخول بعض الناس إلى هذا القصر أو خروجهم منه، وأحب أن أسألها في شيء.»
فصاحت سيدة الملك من الداخل: «تفضل يا أستاذ، ماذا تريد؟»
فدخل قراقوش وهو ينظر إليها نظرة الاستعطاف، فالتفتت إليه وقالت: «ما وراءك الآن؟ ماذا تريد؟ ها إن أمير المؤمنين قد مات، فليسكن روعك وروع أصحابك.» وغصت بريقها.
فجثا قراقوش بين يديها قائلا: «إن موت أمير المؤمنين قد ساءني يا سيدتي، لكنه جرى بقضاء الله ولا مرد لقضائه. وإنما جئت الآن لأخبرك أن مولاي السلطان أمرني أن أقبض على ما في هذه القصور من الأموال وعلى من في هذا القصر من النساء، وهن كثيرات كما تعلمين. وإنما أستثني منهن سيدتي أخت أمير المؤمنين ومن شاءت أن يصحبها من أهل هذا القصر من غير أهلها و...»
فقطعت كلامه قائلة: «وماذا صنعتم بأهلي، وأين هم؟»
قال: «لا بأس عليهم؛ لأن المولى الراحل - رحمه الله - قد أوصى السلطان بهم خيرا، وهو عازم على نقلهم من هذا القصر إلى قصر آخر يكونون فيه تحت رعايته، لا بأس عليهم خصوصا مولاتي سيدة الملك، فمن تريدين أن يخرج معك من الأتباع، وماذا تريدين من الأثاث والآنية أو غير ذلك؟»
فأطرقت وقد كبر عليها الخروج من ذلك القصر. ومع اطمئنانها بما ستناله من الرعاية عند صلاح الدين لم تتمالك عن النفور من هذا الأمر وقالت: «تخرجوننا من قصورنا ؟! وماذا تفعلون بمن فيها من النساء والرجال والأطفال فإنهم يعدون بالآلاف.»
قال: «يا سيدتي، إن مولاي صلاح الدين سيعمل بما لا يمس كرامة أحد. فمن كانت من الجواري ذات بعل أطلقها مع بعلها، ومن كانت حرة ولا بعل لها أطلق سراحها. وأما الجواري غير الحرائر فيهبهن لبعض رجاله. أما أهل الخليفة فإنهم سيقيمون نساء ورجالا في غاية الإكرام والحفاوة تحت عنايته، ويفرق فيهم الأعطية والألبسة والأقوات بحيث لا ينقصهم شيء كأنهم في قصورهم في حياة الخليفة - رحمه الله - ولا سيما سيدتي، فإنها ستنال كل رعاية هي ومن معها.»
ناپیژندل شوی مخ