التي نابت عن بريطانيا العظمى بين سنتي 1931 و1935 في مؤتمر نزع السلاح، وقد أيدت الدعوة الصهيونية كل التأييد كأنها ملاذ «احتياطي» لمن يضطرون إلى الهجرة من أوطانهم، وأتبعت ذلك بالتحفظ السياسي الذي تؤكد فيه ضرورة إنصاف العرب إذا أريد منهم أن يتقبلوا الوطن الصهيوني طواعية بحسن نية وبغير إكراه أو مخادعة، وأن ينال العربي جميع الحقوق التي ينالها اليهودي في الدولة الصهيونية.
ويشبه السيدة آشبي في لهجتها السياسية إدوارد هلتون
Hulton
مؤسس البكتشر بوست
وغيرها من الصحف العصرية، وهو لا يدين بمذهب حزب من الأحزاب ولا يتقيد بخطة معينة في السياسة البريطانية، وقد ذكر في مقدمة كلامه أن المسلمين تسامحوا في معاملة اليهود خلال القرون الوسطى، وأن اليهود يتعرضون للنفور والجفاء لعزلتهم الدينية والقومية، وأن عداوة الساميين موجودة اليوم في البلاد الإنجليزية، وتزداد بعد الحرب العالمية، ولكنها قد تهدأ بعد هزيمة النازيين، وتبطل الفائدة منها كلما استغنى الحكام المستبدون عن هدف يحولون إليه حماسة الجماهير، ويثيرون به شعور البغضاء الذي يعتمدون عليه في التقرب إلى رعاياهم المخدوعين، ثم انتهى قائلا: وبعد كل هذا ينبغي أن نعلم أن العرب موجودون في فلسطين، وأنها واقعة لا تبطل بالجدل والمناقشة، ومن المشكوك فيه أن يتحقق إنصاف قوم باغتصاب آخرين، ولا سيما القوم الذين هم طرف ثالث في المشكلة، ولا ذنب لهم فيما وقع على اليهود من إجحاف. •••
هذه أمثلة من نظرات الأصدقاء المجاملين إلى مصير الصهيونية، تكاد في جملتها أن تنتهي بنا إلى نتيجة واضحة، لا تختلف باختلاف الباحثين ما داموا من الباحثين المسئولين الذين لا يدركون تبعاتهم، ويحاسبون أنفسهم على آرائهم، فما لم يكن الكاتب مأجورا رخيص الضمير فهو شديد التحفظ في مؤازرة الصهيونية، ومجاراتها على شهوات العصبية التي تزين لها الهيام الأحمق باغتصاب فلسطين، واعتبار المقام فيها - باسم الوطن القومي - حلا لمشكلة اليهود، يحسم المشكلة، ويريح الأمم والحكومات من هوس الصهيونيين وأخطارهم التي يجرونها على أنفسهم وعلى سائر الشعوب.
وإذا كانت الدويلة الصهيونية تأتي بنكبات جديدة، ولا تدفع نكبة واحدة - فالمشكلة باقية ما بقيت الصهيونية العالمية، وسلامة العالم أن تقلع الصهيونية العالمية عن هوسها، وأن يقلع المؤيدون لها عن تشجيع ذلك الهوس الوبيل، فإنه لا دوام له مع انقطاع التشجيع والتأييد، وانكشاف السر «العالمي» في عصر لا تحتجب فيه هذه الأسرار.
الفصل الحادي والعشرون
مصير الصهيونية العالمية ومقاطعة العرب
إذا كان هناك شيء يتفق عليه العرب والصهيونيون، ويتفق عليه من يكتبون لمصلحة القضية العربية ومن يكتبون لمصلحة الصهيونية، فذلك هو الحقيقة التي تبدو لأول نظرة ثم تبدو مؤكدة مرددة بعد مائة نظرة: أن إسرائيل لا تحتمل البقاء مع مقاطعة العرب لها، فإذا قاطعها العرب وثابروا على مقاطعتها، فليس في الأرض قوة تنصرها عليهم، وليس بالعرب من حاجة إلى سلاح يدفعون به خطرها أمضى من هذا السلاح.
ناپیژندل شوی مخ