ثم ظهرت مباحث علم النفس الحديث - ولا يخفى أن الكثيرين من دعاته يهود - فراح الباحثون في علل الظواهر الاجتماعية يبحثون عن علة نفسانية لكراهية الساميين، وحاول بعضهم أن يجعلها علة دخيلة تصيب الأمم والجماعات كما تصيب المخبولين من آحاد الناس، فخبطوا في ذلك خبطا ذريعا، وجانبوا الصواب في كل ما زعموه، لأن المحاولة من أولها قائمة على ضلال، أو على غرض يسوق إلى الضلال.
قال بعضهم: إن كراهية الساميين مرض اجتماعي يظهر في الأمم التي تصاب بمركب النقص وتشعر بأنها محتقرة بين الشعوب، أو متخلفة عنها.
وقال بعضهم: إن كراهة الساميين مرض يصيب الأمم التي يتسلط عليها الخوف، فتتهم من تستطيع اتهامه، وتجد اليهود بينهم منعزلين متميزين، فتخصهم بذلك الاتهام.
وقال بعضهم: إن كراهة الساميين داء تبتلى به الأمم المتكبرة التي توالت عليها الهزائم، فهي تتشفى وتنتقم ممن تقدر عليه، كما فعل النازيون.
وقال آخرون: إن الأمم الفقيرة تصاب بداء الحسد، وتنتقم من الأجانب والغرباء عنها إذا اعتقدت فيهم الثراء والنجاح.
وكل هذا لغو وخرافة؛ لأن الأمم كلها لا تصاب بالأدواء النفسية ويسلم منها الصهيونيون دون سواهم، وإذا كان الصهيونيون مكروهين من قديم الزمن فالبحث العلمي المنزه عن الغرض يتجه إليهم أولا قبل أن يتجه إلى الآخرين.
والواقع أن الصهيونيين لم يألفوا أحدا ولم يألفهم أحد منذ عرف اسم العبريين في التاريخ.
إن هؤلاء القوم من سلالة سامية نشأت في جزيرة العرب مهد الشعوب السامية، على أرجح الآراء.
فشجر النزاع بينهم وبين جيرانهم وهاجروا إلى العراق في الجنوب، ثم هاجروا من جنوبي العراق إلى شماليه في عصر يقارب عصر إبراهيم الخليل، ثم هاجروا من العراق الشمالي إلى الصحراء السورية فدخلوا أرض كنعان، وهناك كان يسكن الأدرميون والمؤابيون والعمالقة وعشائر مختلفة من الآراميين والكنعانيين، وبدأ التاريخ يسمع بأبناء القتال بين هؤلاء جميعا بعد دخول العبريين إلى أرضهم، وبدأ التاريخ يسمع النزاع بين أتباع إبراهيم الخليل أنفسهم فانقسموا إلى شطرين.
ومنذ تلك الحقبة لا يعرف التاريخ لهؤلاء القوم فترة واحدة جمعتهم على ألفة ووئام مع جيرانهم، فدخلوا مصر ونفر منهم المصريون، وعادوا إلى كنعان ونفر منهم الكنعانيون، وقامت لهم دولة في عهد النبي داود فشغلتهم بالإغارة على جيرانهم واتقاء الغارة من أولئك الجيران، ثم جاء سليمان الحكيم فبنى لهم الهيكل فثاروا عليه؛ لأنه فرض عليهم الإتاوات لبنائه وبناء قصره، ثم انقسموا بعده قسمين: إلى الشمال وإلى الجنوب، وحفظت كتبهم ما قاله الشماليون في الجنوبيين، وما قاله الجنوبيون في الشماليين، فإذا هو أشد وأشنع مما قاله أعداء الساميين فيهم أجمعين، من أقدمين ومحدثين.
ناپیژندل شوی مخ