Sahih wa Daif Tarikh al-Tabari
صحيح وضعيف تاريخ الطبري
پوهندوی
محمد بن طاهر البرزنجي
خپرندوی
دار ابن كثير
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
د خپرونکي ځای
دمشق - بيروت
ژانرونه
صَحِيحُ تَارِيخ الطَّبَرِيِّ قِصَصُ الأَنْبيَاء وَتَاريخُ مَا قَبْلَ البِعْثَةِ
للإِمَامِ أبِي جَعْفَر بن جَرِير الطَّبَرِيِّ
(٢٢٤ - ٣١٠ هـ)
حقَّقَه وَخرَّج رَوَايَاته وعَلَّقَ عليه
محمد بن طاهر البرزنجي
بإشرافِ ومُراجعَة المحقِّق
محمد صبحي حسن حلّاق
المجلّد الأول
دَار ابْن كَثير
دمشق- بَيروت
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
صَحِيحُ تَارِيخ الطَّبَرِيِّ قِصَصُ الأَنْبيَاء وَتَاريخُ مَا قَبْلَ البِعْثَةِ
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الطبعة الأولى
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
جميع الحقوق محفوظة
يمنع طبع هذا الكتاب أو جزء منه بكل طرق الطبع والتصوير والنقل والترجمة والتسجيل المرئي والمسموع والحاسوبي وغيرها من الحقوق إلا بإذن خطي من دَار ابن كَثير
للطباعة والنشر والتوزيع
دمشق- بيروت
الرقم الدولي:
الموضوع: تاريخ
العنوان: صحيح وضعيف تاريخ الطبري ١/ ١٠
التأليف: الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري
نوع الورق: أبيض
ألوان الطباعة: لونان
عدد الصفحات: ٥٦١٦
القياس: ١٧×٢٤
نوع التجليد: فني- كعب لوحة
الوزن: ١٥ كغ
التنفيذ الطباعي: مطابع المستقبل
التجليد: مؤسسة فؤاد البعينو للتجليد
دار ابن كثير
دمشق- حلبونى- جادة ابن سينا- بناء الجابى
ص. ب: ٣١١ - هاتف: ٢٢٢٥٨٧٧ - ٢٢٢٨٤٥٠ - فاكس: ٢٢٤٣٥٠٢
بيروت- برج أبي حيدر- خلف دبوس الأصلي- بناء الحديقة
ص. ب: ٦٣١٨/ ١١٣ - تلفاكس: ٨١٧٨٥٧/ ٠١ - جوال: ٢٠٤٤٥٩/ ٠٣
www.ibn-katheer.com - info@ibn-katheer.com
1 / 4
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
أولًا
١ - تعريف التأريخ:
لغة: تعريف الوقت والتوريخ مثله يقال: أرخت وورخت [الجوهري] والأصمعي يفرّق بين لهجتين فبنو تميم يقولون: ورّخت الكتاب توريخًا وقيس تقول: أرخته تأريخًا هذا ما ذكره السخاوي في كتابه الإعلان بالتوبيخ [ص ١٩].
التأريخ اصطلاحًا: لعلّ ابن خلدون (٨٠٨ هـ) أوّل من عرّف التأريخ تعريفًا شافيًا وسبق بذلك علماء المسلمين وغير المسلمين.
قال ابن خلدون [العلامة المؤرخ] رحمه الله تعالى وهو يعرّف التأريخ:
[هو في ظاهره: لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأُول تنمو فيها الأقوال وتضرب فيها الأمثال].
وفي باطنه: نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق.
ولقد كان ابن خلدون دقيقًا في تقييمه للكم الهائل من الروايات التأريخية فقال وإن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهِموا فيها أو ابتدعوها وزخارف من الروايات المضعفة لفّقوها ووضعوها [مقدمة ابن خلدون].
أما السخاوي (٩٠٢ هـ) فقد عرف التأريخ اصطلاحًا فقال:
1 / 5
التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة وعقل وبدن ورحلة وحج وحفظ وضبط وتوثيق وتخريج وما أشبه هذا مما مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة من ظهور حكمة وتجديد فرض، وخليفة ووزير وغزوة وملحمة وحرب وفتح بلد وانتزاعه من متغلب عليه وانتقال دولة [الإعلان بالتوبيخ: ص ٢٠].
الكافيجي: وأما علم التأريخ فهو علم يبحث عن الزمان وأحواله وعن أحوال ما يتعلق به من حيث تعيين ذلك وتوثيقه وأما موضوعه فالإنسان والزمان [المختصر في علم التاريخ: ٣٢٧].
وأما التأريخ بمعنى التقويم فالصحيح أنه بدأ به في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين أمر المسلمين أن يجعلوا من مقدم النبي ﵊ إلى المدينة بداية التأريخ الإسلامي فسمي [الهجري]. قال السخاوي والمحفوظ كما قال ابن عساكر أن الأمر به في زمن عمر وكذا صححه الجمهور بل هو الصحيح المشهور أنه كان في خلافة عمر وأنه ابتدأ بالهجرة النبوية وبالمحرم منها [الإعلان بالتوبيخ / ٩٥].
أسباب اهتمام الأمة المسلمة بكتابة التأريخ:
١ - لاهتمام القرآن الكريم بقصص الأنبياء والأمم السابقة وبيان أحوالهم واستخراج الدروس والعبر من أحوالهم ومآلهم وكذلك قصص الفراعنة وقارون وغير ذلك كقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾.
٢ - اهتمام القرآن الكريم بدراسة تبدل الأحوال والأوضاع وحثّ الناس على تدبّر الوقائع واكتشاف سنن الله في الكون ومنها السنن التأريخية كقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ وقوله سبحانه: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاولُهَا بَينَ النَّاسِ﴾.
٣ - اهتمت السنة النبوية الشريفة بقصص الأنبياء والصالحين من الأمم السابقة وإستنباط العظات والعبر -كقوله ﵊: "إنه كان فيمن قبلكم ... الحديث".
1 / 6
٤ - أوصى الإسلام [كتابًا وسنة] بتتبع سيرة الرسول ﵊ فكان ذلك عاملًا آخر من عوامل اهتمام المسلمين بالسير والمغازي كجزء من التأريخ الإسلامي.
يقول الدكتور الدوري: إن القرآن نصّ على أن أقوال الرسول ﷺ موصى بها وأن سيرته مثل للمسلمين يقتدون به وهنا نجد دافعًا مباشرًا لدراسة أقوال الرسول وأفعاله [بحث في نشاة علم التأريخ / ١٨].
٥ - كان العرب أصحاب شعر وحكايات وقصائد تروي بطولات القبيلة ومواقف رموزها المشهودة -يضاف إلى ذلك كله قوة الحافظة عند العرب تعويضًا عن أميّتهم كما قال ﵊ "إنا أمة أمية". يقول الأستاذ محمد فتحي عثمان وهو يتحدث عن خصائص العرب يومها: فهي أمة تميّزت بالحفظ والهداية وبالبلاغة والشعر، وبالحرص على الأنساب والفخر بها وكل هذه الثلاثة معين على ازدهار التأريخ [المدخل إلى التأريخ الإسلامي / ١١٤].
٦ - اهتمام الخلفاء المتعاقبين على إدارة الحكم بالمغازي والسير وتأريخ من سبقهم من الملوك والخلفاء وحثّ النسابة والإخباريين على تدوين ما لديهم من الأخبار والأنساب وغير ذلك يقول الأستاذ شاكر مصطفى: فلقد كانت رغبة بعض الأمويين والولاة في المعرفة التأريخية وإن كانت لها أسبابها بالنسبة إليهم مشجعًا لإدخال هذه المعرفة بين المعارف النبيلة المطلوبة في المجتمع الإسلامي. وإذا كان معاوية قد استدعى عبيد بن شرية من صنعاء ليسأله عن ملوك العرب والعجم ويأمر بتسجيل ما يقول ويجلس كل مساء لسماع أخبار التأريخ وكان مروان بن الحكم يدني مجلس حكيم بن حزام ليسمع منه أخبار المغازي وعبد الملك يطلب أخبارها من التابعين وكان عروة بن الزبير راوية التأريخ على صلة بعبد الملك وابنه الوليد وبعمر بن عبد العزيز فقد عرفنا أيضًا أن هشام بن عبد الملك وضع لابن شهاب الزهري كاتبين يكتبان عنه سنة فلما مات الزهري وجدت له أكوام من الكتب في خزائن الأمويين [التاريخ العربي والمؤرخون / ص ٦٧].
٧ - إن إنشاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ للدواوين وتسجيل أسماء المجاهدين الفاتحين حسب قبائلهم وأسرهم شجّع ظهور النسابة الخبراء في أنساب القبائل على اختلافها وأضحى الأنساب فيما بعد جزءًا من التأريخ حتى
1 / 7
أن البلاذري قد ألف سفرًا عظيمًا بترتيب أشهر الأنساب متضمنًا الآباء والأبناء ومنهم الخلفاء الراشدون وبقية الخلفاء من بني العباس وبني أمية ويعتبر كتابه مصدرًا متقدمًا ثمينًا.
يقول الأستاذ محمد فتحي عثمان [وقد اشتهر الصديق أبو بكر بحفظ الأنساب وأعان إنشاء عمر (للديوان) على حفظ الأنساب أيضًا وكان من دواعيه تنظيم العطاء ... وقد شجّع الأمويون على حفظ الأنساب وظهر النسابون الأوائل في عهدهم واشتهر في هذا المجال دغفل بن حنظلة الشيباني سنة ٧٠ هـ]. [المدخل إلى التأريخ الإسلامي / ١٣٦].
٨ - كان الخلفاء الأمويون ومن بعدهم العباسيون حريصين كل الحرص على تمييز الأراضي المفتوحة صلحًا أو عنوة وما إلى ذلك إلى أراضي خراجية أو عشرية حرصًا منهم على نظافة بيت المال وعدم السماح لدخول المال الحرام فيه وكان ذلك يعني اهتمامهم وسؤالهم عن الفتوحات الإسلامية الكبرى وأخبارها.
وحتى غير الخلفاء وبالأخص العلماء ومنهم الفقهاء قد اهتموا بهذا الجانب كثيرًا حتى أنك ترى إمامًا فقيهًا كالقاضي أبي يوسف يؤلف كتابًا في الخراج يروي قيه بالسند الموصول وقائع بعض الفتوحات الإسلامية في العراق وغيره.
٩ - حثّ الرسول ﵊ أمته من بعده على احترام الصحابة الكرام وإجلالهم والاقتداء بهم وخاصة الخلفاء الراشدين وتتبع سيرتهم وخاصة في أبواب السياسة الشرعية كقوله ﵊ في الحديث النبوي الشريف "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ".
وهذا عامل آخر يضاف إلى عوامل أخرى دفعت الأئمة الأعلام إلى الاهتمام بتأريخ الراشدين كجزء من التأريخ الإسلامي وكتاب حلية الأولياء للحافظ الأصفهاني زاخر بسير الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
١٠ - إن ورود نصوص من السنة الشريفة تبيّن فضل جيل الصحابة وقوتهم على التابعين والتابعين على من بعدهم وكذلك تجمهر عدد كبير من التابعين حول الصحابة لأخذ العلم الشرعي دفع العلماء إلى تصنيف كتب في الطبقات وخاصة
1 / 8
طبقات الصحابة والتابعين فهذا سابق وهذا مهاجر وذاك أنصاري وهذا بدري وهذا من مسلمة الفتح ثم تأتي طبقات التابعين من بعدهم وكتاب الطبقات الكبرى لابن سعد خير شاهد على ذلك.
نشأة التاريخ عند المسلمين رواية ثم تدوينًا وتبويبًا أو تصنيفًا:
من الثابت عند أئمة المسلمين جميعًا أن الرسول ﵊ قد اتخذ من الصحابة من سمّوا (كتاب الوحي) كسيدنا علي وسيدنا معاوية وسيدنا عثمان وغيرهم ﵃ أجمعين.
ومعلوم كذلك أن عددًا من الصحابة قد كتبوا جزءًا من السنة النبوية في صحف خاصة بهم ولكنها اندثرت ولكن حفظها تلامذتهم من التابعين الكرام ونقلوها إلى من بعدهم.
وللجمع بين أقوال العلماء في معرفة أول من دوّن الحديث مصنفًا مبوبًا قالوا: أول من دوَّن مصنفًا ومبوبًا:
محمد بن إسحاق بالمدينة (توفي ١٥١ هـ).
وابن جريج بمكة (١٥٠ هـ).
وحماد بن سلمة (١٦٧ هـ) بالبصرة.
ومعمر بن راشد (١٥٣ هـ) باليمن.
وسفيان الثوري (١٦١ هـ) بالكوفة ... إلخ.
والإمام الذهبي ﵀ يحدد سنة ١٤٣ هـ كبداية وانطلاقة لتدوين الحديث والتغيير وغيرهما فيقول: فصنف ابن جريج بمكة ومالك بن أنس الموطأ بالمدينة والأوزاعي بالشام وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة ومعمر باليمن وسفيان بالكوفة مصنف ابن إسحاق المغازي مصنف أبو حنيفة ﵀ الفقه والرأي .. إلى أن يقول الذهبي: وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة [تذكرة الحفاظ ١/ ٢٥٩].
ويعلّق الأستاذ شاكر مصطفى على هذا المقطع من كلام الحافظ الذهبي فيقول: ويتنبه الذهبي في هذا النص إلى عدد من الحقائق المتصلة بنشأة العلوم
1 / 9
الإسلامية ولعل أهمها مرورها في القرن الثاني في سنة ١٤٣ هـ كما يقول من مرحلة التسجيل غير المرتب إلى التصنيف المبوب [ص ٩٢] إلى أن يقول شاكر مصطفى وإذا نحن تجاوزنا تحديد سنة ١٤٣ هـ كسنة انقلابية- وهو تحديد ليس بالخاطئ تمامًا على أي حال ... إلخ) [التأريخ العربي والمؤرخون ص ٩٣] ثم يمضي الأستاذ شاكر في تعقيبه على كلام الحافظ الذهبي ويبيّن أن من سبق هذا التأريخ بالكتابة في التأريخ كعروة بن الزبير والزهري إنما كتبوا في أبواب متفرقة ولم يكن محاولة للإحاطة بكل الأخبار لكافة المواضيع وأن هذا النشاط في تسجيل مثل هذه الأدوار التأريخية لم يكن بعد قد أخذ انطلاقته الواضحة لأنه بقي رسميًا لحدٍّ ما دينيًّا ولم يصبح تيارًا فكريًا ثقافيًا واضح التدوين .. [التأريخ العربي والمؤرخون ص ٩٥ باختصار وتصرف] وهذا كلام نوزع فيه الأستاذ.
فأما تحديد هذه السنة بالذات (١٤٣ هـ) كحد فاصل بين التدوين المبوّب وغير المبوّب ففيه نظر لأن عروة بن الزبير ﵁ والمتوفي سنة (٩٣ هـ) معروف بالمغازي والسير ومروياته في السيرة خاصة في حنايا كتاب المغازي صحيح البخاري وكذلك الطبري وغيرهما ويعتبره الدوري مؤسسًا لمدرسة المغازي (ص ٢١) ولو اتفقنا مع الأستاذ شاكر في عدم اعتبار كتابات عروة كذلك فإننا لا نستطيع أن نتجاوز مرويات الزهري ذلك الإمام المحدث الفقيه الذي ساهم في تدوين السيرة النبوية الشريفة وشطرًا من تاريخ الخلافة الراشدة وخاصة أيام الفتن وردحًا من بدايات الخلافة في عهد الأمويين حتى أن البعض يعتبره مؤرخًا [انظر ما كتبه الدكتور الدوري -عبد العزيز- في كتابه (بحث في نشأة علم التأريخ) فهو يعتبر الزهري (١٢٤ هـ) مؤرخًا ومختصًا بالمغازي (ص ٢١) وليس الرجل متقولًا في ذلك فللمسألة أصل معتمد فقد قال الطبري ﵀: كان الزهري مقدمًا في العلم بمغازي رسول الله ﷺ وأخبار قريش والأنصار راوية لأخبار رسول الله ﷺ وأصحابه [المنتخب من كتاب ذيل المذيل / ٩٧].
ولا بد لنا من دراسة المدارس التاريخية في المدن الإسلامية في القرنين الأول والثاني ومعرفة عدد من رواد ومنشئي هذه المدارس [مدرسة المدينة] [مدرسة الشام] [مدرسة العراق] [مدرسة مصر].
1 / 10
أ- مدرسة المدينة:
١ - عروة بن الزبير: توفي سنة ٩٤ هـ المحدث الفقيه بل أحد الفقهاء السبعة في المدينة يومها قال الحافظ ابن حجر في ترجمته ثقة فقيه مشهور من الثانية مات سنة ٩٤ على الصحيح ومولده في أوائل خلافة عمر الفاروق [تقريب / تر ٥١٣١]. أول من ألف في المغازي (١).
٢ - أبان بن عثمان بن عفان: توفي (سنة ١٠٥ هـ) وهو ثقة من الثالثة [تقريب / تر ١٦٣].
٣ - سعيد بن المسيب: توفي سنة ٩٤ هـ وهو نسابة مؤرخ فقيه (٢).
٤ - محمد بن مسلم بن شهاب الزهري: (٥٠ - ١٢٤ هـ) ويعتبره بعضهم مؤسسًا لمدرسة التأريخ في المدينة والشام (٣).
وقال آخرون صاحب دراسات وأبحاث في التأريخ والفقه والحديث (٤).
ومن خلال تخريجنا لروايات الزهري التأريخية عند الطبري وغيره وجدنا اهتمامه بالسيرة والمغازي ثم بأحداث الفتن في عهد الخلفاء الراشدين وصلح سيدنا الحسن مع سيدنا معاوية ﵃ أجمعين بالإضافة إلى اهتمامه بأعمار الخلفاء من بعدهم وسني حكمهم.
وهؤلاء وغيرهم نواة لمدرسة المدينة وهم متأثرون بشكل أو بآخر بمرويات عبد الله بن عباس (فيما يتعلق بالمغازي) وغيره من الصحابة فعبد الله بن عباس اشتهر بالتدريس فيما يتعلق بكافة العلوم ومنها المغازي والسير وقد ورد ذكره في أسانيد الطبري في أكثر من (٢٨٠) موضعًا. ومن تلاميذه الكبار (سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ووهب بن منبه ... إلخ) وكريب بن أبي مسلم مولى ابن عباس الذي كان يحتفظ بصحف ابن عباس وكتبه (٥).
_________
(١) شاكر مصطفى [التأريخ العربي والمؤرخون / ١٥٢].
(٢) المصدر السابق [١٥٢].
(٣) المصدر السابق [١٥٧].
(٤) مجلة المجمع العلمي العراقي (١٩٥٤ هـ).
(٥) الطبقات الكبرى (٥/ ٢١٦).
1 / 11
ب- مدرسة الشام:
١ - الأوزاعي: (عمرو بن عبد الرحمن) توفي سنة ١٠٧ هـ إمام في الحديث والمغازي والسير.
٢ - عوانة بن الحكم الكلبي: (توفي سنة ١٤٧ هـ) عاش العقود الأخيرة من عهد الأمويين ثم ما يقرب من عقدين أيام الخلافة في عهد العباسيين.
ويعتبره الأستاذ شاكر مصطفى صاحب فضل على التأريخ الإسلامي فيقول: ونحن ندين لعوانة هذا بتسمية علم التأريخ فهو صاحب أول كتاب تأريخي يحمل اسم (كتاب التاريخ) في الإسلام وقد كتب كذلك سيرة معاوية وبني أمية ولكن الكتابين فقدا ولم يبق منهما إلّا ما تناثر لدى المدائني وابن الكلبي والطبري وغيرهم (١).
وقد أكثر الكلبي والمدائني وابن عدي (الهيثم) من مرويات عوانة ومن كتبهم أخذ الطبري مرويات عوانة.
٣ - عبيد بن شرية الجرهمي: اليماني الأصل، الشامي المنزل، وهو مخضرم استدعاه أمير المؤمنين معاوية ليدون ما لديه من الأنساب والأخبار (٢).
ومن قبل هؤلاء شارك عروة بن الزبير والزهري في تأسيس مدرسة الشام التأريخية وإن كانا مدنيين فقد ترددا بين الحجاز والشام وإن كان الزهري أكثر تواجدًا في الشام بل قضى عقوده الأخيرة هناك حتى توفاه الله تعالى في أواخر خلافة أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك رحمه الله تعالى.
ج- مدرسة مصر في التأريخ:
إن لأهل الحديث فضلًا كبيرًا في تدوين التأريخ الإسلامي وبين الأمويين روابط من الإسناد والتراجم وعلم الرجال والطبقات وما إلى ذلك فكما أن المحدث عروة بن الزبير ومن بعده الزهري المحدث قد شاركا في تشكيل نواة مدرسة التاريخ في المدينة. فإن أئمة الحديث في مصر لهم الفضل الكبير في
_________
(١) التأريخ العربي والمؤرخون (١٢٨).
(٢) الفهرست لابن النديم (٨٩) [مروج الذهب / ٤/ ٩٠].
1 / 12
إنشاء مدرسة التأريخ هناك: ومنهم الإمام الليث بن سعد المصري وهو ثقة ثبت فقيه إمام مشهور من السابعة ت ١٧٥ هـ أخرج له الستة وله مرويات في التأريخ عند الطبري وغيره ولعلّ أقدم مصدر من المصادر التأريخية لمصر هو كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم القرشي المصري الذي توفي سنة ٢٧٦ هـ (١).
د- مدرسة العراق:
١ - لعلّ الإمام عامر بن شراحيل الشعبي (المتوفى سنة ١٠٣ هـ) الكوفي من مؤسسي مدرسة العراق في التأريخ وشهد أحداثًا جسامًا طبعت في ذاكرة التأريخ منها الصلح بين سيدنا الحسن وأمير المؤمنين معاوية ﵄ وشارك في وقعة دير الجماجم فيما سمّي بحركة ابن الأشعث أيام الحجاج ومن قبله شهد الاضطرابات التي وقعت في العراق أيام موت يزيد بن معاوية -في العقد السادس من القرن الهجري الأول-.
وأخرج له الطبري في تأريخيه في أكثر من (١٠٠) موضع وتمتد مروياته من قصص الأنبياء وحتى أحداث نهاية القرن الهجري الأول.
٢ - سيف بن عمر التميمي (سنتحدث عنه بعد قليل).
٣ - قحذم بن سليمان (المتوفى سنة ١٥٨ هـ) كان يعمل كاتبًا للخراج في ولاية يوسف بن عمر الثقفي على العراق وأكثر عنه خليفة من طريق حفيده (الوليد بن هشام بن قحذم) ونقل عنه الطبري ولكن بروايات قليلة جدًّا لا تعدو عدد أصابع اليد.
وهنالك آخرون بعضهم أكثر أهمية وشهرة من قحذم شاركوا في بناء مدرسة العراق التأريخية في القرن الثاني الهجري سنذكرهم بعد قليل عند حديثنا عن الإخباريين.
هـ- مدرسة اليمن:
١ - دغفل بن حنظلة الشيباني النسابة المخضرم- يروي ابن حبيب أنه شارك
_________
(١) المدخل إلى التأريخ الإسلامي ١٧٦.
1 / 13
في تأديب يزيد بن معاوية بن أبي سفيان (١).
٢ - عبيد بن شرية الجرهمي سبقت ترجمته في الحديث عن مدرسة الشام.
٣ - وهب بن منبه الذماري توفي سنة ١١٤ هـ.
وقد روى تلاميذه عنه المغازي قصص الأنبياء وتأريخ اليمن القديم (٢).
الأخباريون [الثقات وغير الثقات]:
الأخباري لفظة دون المؤرخ أو قبله زمانًا ومنصبًا -فالناس أطلقوا هذه التسمية على من جمع الأخبار في أيام العرب والقصص الغابرة ثم الفتوح وهم طلائع التأليف التأريخي عند المسلمين (٣) وسمّي من كتب في غزوات النبي ﷺ وسيرته بصاحب المغازي والسير ومن كتب في أنساب العرب بالنسابة ثم تراجع الأخباري عندما بدأ التصنيف والتبويب فأصبح اسمًا فقط على راوي القصص والنوادر والحكايات (٤).
وقد اشتهر في سماء التدوين أئمة أعلام حفظوا لنا التأريخ الإسلامي وأئمة أعلام حفظوا لنا السيرة النبوية الشريفة واشتهر آخرون كذلك كأخباريين ولكن لطَّخوا التأريخ الإسلامي وشوّهوه كالتالف الهالك أبي مخنف ومنهم من لم ينسب إلى الكذب أو الوضع ولكن إلى الضعف كسيف بن عمر ومنهم من نسب إلى الكذب حتى ترك كالواقدي والهيثم بن عدي والكلبي وسنذكر ترجمة مختصرة لكل واحد منهم وعدد مروياتهم في تأريخ الطبري.
١ - لوط بن يحيى (أبو مخنف) الكوفي:
أخرج له الطبري في أكثر من (٣٠٠) موضع ابتداءً بخبر سقيفة بني ساعدة وانتهاء بأحداث سنة (١٣٢) هـ ودخول الحسن بن قحطبة إلى الكوفة بعد هرب عاملها ابن هبيرة (من قبل الأمويين).
وبعد سبرٍ لرواياته عميق ومن خلال تخريجنا لروايات الطبري وجدناه بارعًا
_________
(١) المحبر (٤٧٨).
(٢) التأريخ والمؤرخون (١٣٨).
(٣) المدخل إلى التأريخ الإسلامي (١٢٩).
(٤) الإمام الطبري- د. محمد الزحيلي / ٢٠٢ /.
1 / 14
في التلفيق وتزوير الحقائق والطعن في عدالة الصحابة وتشويه سمعتهم ولعل رواية واحدة أو روايتين من مروياته وجدت لها مكانًا في قسم الصحيح من بحثنا هذا لماليك أقوال العلماء فيه: قال ابن عدي شيعي محترق صاحب أخبارهم [الكامل ٦/ ٩٣ / ١٦٢١] [وقال الذهبي أخباري تالف لا يوثق به تركه أبو حاتم وغيره وقال ابن معين ليس بشيء [ميزان مع ذيل الميزان / تر ٧٤٥١].
٢ - سيف بن عمر التميمي: (توفي سنة ١٨٥ هـ) وهو كوفي أخباري بدأ حياته العلمية بالمدينة ثم سافر إلى العراق واشتهرت مروياته في الردة والفتوحات ووقعة الجمل- ونقل عنه الطبري (٣٠٠) موضع أو يزيد قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات وقال الذهبي في ترجمته: مصنف الفتوح والردة وغير ذلك هو كالواقدي.
وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر، وقال أبو حاتم: متروك، وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال ابن حجر في التقريب: ضعيف في الحديث عمدة في التأريخ من الثامنة مات في زمن الرشيد.
وعقب المحرران (الشيخ شعيب والدكتور بشار) على قول الحافظ (ضعيف الحديث عمدة في التأريخ) بقولهما: بل متروك فحديثه ضعيف جدًّا ... وحتى أخباره في التأريخ ليست بشيء فقد قال أبو حاتم الرازي متروك يشبه حديثه حديث الواقدي وقال البرقاني والدراقطني متروك [تقريب التهذيب / تر ٣٠١٥] [المجروحين ١/ ٣٤٥]، [ميزان الاعتدال مع ذيل الميزان / تر ٣٩٨٩]، [تحرير التقريب / تر ٢٧٢٤].
٣ - محمد بن إسحاق إمام المغازي: (ت ١٥١ هـ) كتب كتابًا في الخلفاء بالإضافة إلى سيرته المشهورة وقد أكثر الطبري من إخراج رواياته فزادت على (٣٥٠) رواية معظمها في السيرة النبوية الشريفة وهو حسن الحديث إذا صرّح بالتحديث والله أعلم.
٤ - محمد بن السائب الكلبي وابنه هشام: أما الأب فقد توفي سنة ١٤٦ هـ وله في تأريخ الطبري (١٦) رواية وهو نسابة متشيّع وقد أخذ عنه ابنه هشام الذي
1 / 15
توسع أكثر من أبيه بالأخبار والتأريخ وألف في ذلك كله فقائمة كتبه قرابة (١٥٠) كتابًا (١).
وقد روى له الطبري في (٢٨٠) موضعًا من تأريخه.
وقال الدكتور جواد علي: لقد كان جلّ اعتماد الطبري في أخبار العرب قبل الإسلام على مؤلفات ابن الكلبي، وقال أيضًا:
أما ابن الكلبي ... هو وأبوه في طليعة من عُنوا بجمع أخبار الجاهلية وتدوينها ومن طريقهما عرفنا أمورًا عن العرب قبل الإسلام لم يذكرها غيرهما من الأخباريين، بالرغم من نواحي الضعف التي تظهر عليها، وبالرغم مما رميا به من الكذب والتزوير، والحق أننا نجد في رواياتهما، وخاصة روايات هشام. تناقضًا غريبًا في بعض الأحيان يُستغرب صدوره من رجل له علم ومعرفة وتمييز في الأمور (٢).
ومحمد بن السائب الكلبي ترجم له أئمة الجرح والتعديل وذكروا مختلف الأقوال فيه وخلاصة القول فيه ما قاله ابن حجر في ترجمته: النسابة المفسر متهم بالكذب ورمي بالرفض من السادسة مات سنة ١٤٦ هـ[تقريب / تر ٦٦٢٤].
وأما ابنه هشام الكلبي فقد قال الذهبي في ترجمته: الأخباري النسابة العلامة قال الدارقطني وغيره متروك وقال ابن عساكر رافضي ليس بثقة وقال أحمد إنما كان صاحب سمر ونَسَب ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه وقال الذهبي في نهاية ترجمته وهشام لا يوثق به وقيل إن تصانيفه أزيد من مئة وخمسين مصنفًا مات سنة (٢٠٤ هـ) [ميزان الاعتدال مع ذيل الميزان / تر ٩٧٣٧].
٥ - أبو معشر السندي: (توفي سنة ١٧٠ هـ) واسمه نجيح بن عبد الرحمن وأخرج له الطبري في (١٠٩) مواضع من تأريخه وهو ضعيف من الطبقة السادسة أخرج له الأربعة [تقريب / تر ٧٩٩٤].
وقال أحمد حديثه عندي مضطرب لا يقيم الإسناد ولكن أكتب حديثه أعتبر به [العلل ١/ ١٣٥].
_________
(١) التأريخ والمؤرخون (١٩١).
(٢) مدخل إلى التأريخ الإسلامي / ٦٨٦ / نقلًا عن مجلة المجمع العلمي العراقي ١٩٥٢.
1 / 16
وقد أخذ الواقدي من مغازيه وأخذ ابن سعد، بينما أخذ الطبري عن التأريخ (يعني تأريخ الخلفاء- على الحوليات] حتى توقف سنة ١٧٠ هـ (١).
٦ - محمد بن عمر الواقدي: (١٣٠ - ٢٠٧ هـ) نشأ في المدينة وأخذ العلم فيها ثم انتقل إلى العراق حتى توفي فيها.
أخرج الطبري من رواياته فيما يقرب من (٣٠٠) موضع.
وهذه أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه:
قال أحمد بن حنبل: هو كذاب يقلب الأحاديث، وقال البخاري: متروك، وقال أبو حاتم والنسائي: يضع الحديث، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه وقال الذهبي: أحد أوعية العلم على ضعفه، وقال الذهبي في نهاية ترجمته: واستقر الإجماع على وهن الواقدي، وقال ابن حجر: متروك مع سعة علمه من التاسعة [تقريب / تر ٦٩٥١]، [ميزان الاعتدال مع ذيل الميزان / تر ٨٤٥٧]، [الكامل ٦/ ٢٤١ / تر ١٧١٩]، [التأريخ الصغير ٢/ ٣١١]، [الجرح والتعديل ٨/ ٢٠].
ثم ظهرت في نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني الهجري طبقة من الأعلام ما بين أخباري ومؤرخ نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر [المدائني ١٣١ - ٢٢٥ هـ]، [ابن سعد ١٦٨ - ٢٣٠ هـ]، [خليفة بن خياط ٢٤٠ هـ]، [عمر بن شبة النميري ١٧٢ - ٢٦٢ هـ]، ولقد أدرك الطبري رابعهم وهو عمر بن شبة ومن طريقه أخذ مرويات المدائني ومن طريق شيخه الحارث بن محمد أخذ مرويات ابن سعد في طبقاته الكبرى- وهذه نبذة مختصرة عن ثلاثة من هؤلاء الأعلام ودورهم في تطوير علم التأريخ عند المسلمين الأوائل:
١ - علي بن محمد (أبو الحسن المدائني) (١٣١ - ٢٢٥ هـ):
اعتبره الأستاذ شاكر مصطفى قمة الطور الأخباري السابق للتأريخ (٢) وأخرج الطبري من مروياته في أكثر من (٣٠٠) موضع وهذه أقوال العلماء فيه:
_________
(١) التأريخ العربي والمؤرخون (٦٣).
(٢) المصدر السابق (١٨٦).
1 / 17
قال ابن معين: ثقة ثقة ثقة، وقال الطبري: كان عالمًا بأيام الناس صدوقًا في ذلك، وقال الذهبي: العلامة الحافظ الصادق الأخباري وقال أيضًا صدوق [سير أعلام النبلاء ١٠/ ٤٠١]، [ميزان الاعتدال ٣/ ١٥٣]، [تأريخ بغداد ١٢/ ٥٥].
وقد كثرت مروياته عند الطبري وخاصة في تاريخ الخلافة على عهد الأمويين ثم العصر العباسي الأول- ولقد حصل الطبري على كتبه من طريق اثنين من شيوخه الثقات [عمر بن شبة وأحمد بن زهير بن حرب]. وهما من تلاميذ المدائني مع غيرهما كالزبير بن بكار وقال أحمد بن أبي خيثمة. كان أبي وابن معين ومصعب الزبيري يجلسون على باب مصعب فمرّ رجل على حمارٍ فاره وبزّة حسنة فسلم وخص بسلامه يحيى فقال له يا أبا الحسن إلى أين ... إلخ فلما ولّى قال يحيى: ثقة ثقة ثقة، فسألت أبي من هذا؟ فقال: هذا المدائني [ميزان الاعتدال / تر ٦٣٦٧].
وقال شاكر مصطفى [وقد اتبع المدائني في المنهج التأريخي طريقة المحدثين في نقد الروايات وإثبات الإسناد مما أعطاه لونًا من الثقة لدى الناس كما نظم المادة الواسعة التي وقعت له تنظيمًا متوازنًا خدم التأليف التأريخي وكان بذلك كله خطوة هامة في تطور عملية التأريخ ما أضحى المصدر الرئيسي للمؤرخين التاركين] (١).
وقال الدكتور الدوري: وتصل دراسات الأخباريين قمتها عند المدائني (١٣٥ - ٢٢٥ هـ) وهو بصري استقرّ بعدئذ في بغداد ويظهر أثر الإسناد عليه أقوى ممن سبقه نتيجة للتطورات الثقافية ويظهر عنده الاتجاه نحو جمع أوسع وتنظيم أوفى للروايات التأريخية ... ويمثل المدائني درجة أعلى من أسلافه في البحث والدقة [بحث في نشأة علم التأريخ / ٣٩].
٢ - محمد بن سعد البصري الزهري (كاتب الواقدي) ١٦٨ - ٢٣٠ هـ:
يعتبر الإمام المحدث الثقة ابن سعد رائدًا من رواد كتابة التأريخ بنظام الطبقات لا الحوليات وقد بدأ بالسيرة النبوية الشريفة في كتابه الطبقات الكبرى ثم الصحابة ومن تلاهم من التابعين ومن بعد هؤلاء- وكان دقيقًا في كل طبقة فقد
_________
(١) التأريخ العربي والمؤرخون (١٨٨).
1 / 18
ذكر الصحابة حسب أسبقيتهم ثم هجرتهم أو نصرتهم، ثم مشاركتهم في معركة بدر ... إلخ مما هو معروف من طبقات الصحابة وخصص جزءًا من طبقاته لأعلام النساء [صحابيات وغيرهن].
قلت: وإن كان معاصره خليفة بن خياط قد ألف كتابًا عرف باسم طبقات خليفة (١) إلا أن ابن سعد ﵀ فاق خليفة وغيره ممن جاؤوا من بعدهما فقد ميّز خليفة بين تسجيله الحولي لأحداث التاريخ وبين الطبقات بينما استطاع ابن سعد أن يمزج بين الطبقات مميزة الواحدة عن الأخرى وبين تأريخ الأحداث وتفاصيلها مستدة بطريقة أهل الحديث ولقد ردّ الأستاذ أكرم ضياء العمري قول من وصف الطبقات بأنها جلّها من طريق الواقدي المتروك وبين أن ابن سعد أخرج روايات كثيرة من غير طريق الواقدي، والباحث المنصف يتبين له ذلك.
يقول الأستاذ أكرم ضياء العمري:
ولكن من الإجحاف لابن سعد أن نقتنع بقول ابن النديم عنه أنه صنف كتبه من تصنيفات الواقدي، لأن ابن سعد استقى من مصادر أخرى كثيرة حتى بلغ عدد شيوخه في الطبقات الكبرى أكثر من ستين شيخًا معظمهم من المحدثين ويزيد ما نقله عن أبي نعيم الفضل بن دكين وعفان بن مسلم وعبيد الله بن موسى العبسي ومعن بن عيسى الأشجعي مجتمعين على ما نقله عن الواقدي فكيف وقد نقل عن غيرهم أيضًا!! وبذلك يتضح ما في اتهام ابن النديم له من مجازفة وبعد عن الحق [عصر الخلافة / ١٢]، [وأشار العمري في الحاشية إلى رسالة جامعية بعنوان خلافة أبي بكر الصديق لعبد العزيز بن سليمان المقبل / ص ١٧].
٣ - خليفة بن خياط العصفري (شباب):
قال الذهبي في ترجمته: الحافظ الإمام أبو عمرو العصفري البصري المعروف بشباب محدث نسابة إخباري علامه صنف التأريخ والطبقات ... قال ابن عدي مستقيم الحديث صدوق من متيقظي الرواة [تذكرة الحفاظ ٢/ ٤٣٦].
وقال الذهبي أيضًا ليّنه بعضهم بلا حجة -وقال أيضًا: حدث عنه البخاري
_________
(١) اعتبر شاكر مصطفى خليفة وابن سعد أقدم من قسم رجال الطبقات على أمصارهم المصدر السابق / ص ٢٣٦.
1 / 19
بسبعة أحاديث أو أزيد في صحيحه وكان صدوقًا نسابة عالمًا بالسير والأيام والرجال وثقه بعضهم وقال ابن عدي هو صدوق [سير أعلام النبلاء ١١/ ٤٧٣].
وقال ابن حجر في التهذيب [٣/ ١٦٠]: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان متقنًا عالمًا بأيام الناس وأنسابهم ... قلت لم يحدث عنه البخاري إلا مقرونًا وإذا حدث عنه لمفرده علق أحاديثه وقال مسلمة الأندلسي لا بأس به اهـ.
وقال أبو حاتم لا أحدث عنه هو غير قوي [الجرح والتعديل ٣/ ٣٧٨] وقال ابن حجر في التقريب [تر ١٩٠٩] صدوق ربما أخطأ وكان أخباريًا علامة من العاشرة مات سنة ٢٤٠ هـ / خ / اهـ.
وقد اعتبره شاكر مصطفى من طليعة المؤرخين الكبار والذي ظهر في وقت مبكر (١).
وضمن هذه الطبقة التي سبقت ظهور المؤرخين الكبار أئمة آخرون يطول ذكرهم ذكرنا بعضهم صمن شيوخ الطبري في التأريخ.
النصف الثاني من القرن الهجري الثالث وظهور المؤرخين الكبار أو العمالقة:
قال الأستاذ عبد العزيز الدوري: وقد شهد النصف الثاني للقرن الثالث الهجري ظهور مؤرخين لاتحدهم مدرسة ولا اتجاه سابق بل حاولوا أن يستفيدوا من مواد السيرة ومن كتب الأخباريين والأنساب والمصادر الأخرى المتيسّرة وشملت دراستهم الأمة بصورة منظمة وكان عملهم في انتقاء المادة بعد النقد والفهم عامًا أو عالميًا (٢).
ويقول الأستاذ محمد الزحيلي: وفي القرن الثالث الهجري استوى علم التأريخ على سوقه (٣).
ويقول الأستاذ شاكر مصطفى: من نسميهم بالمؤرخين الكبار هم طبقة كاملة من مؤرخي النصف الثاني من القرن الثالث كانوا النهاية الطبيعية لخط من التطور
_________
(١) التأريخ العربي والمؤرخون / ٢٣٤.
(٢) نشأة التاريخ / الدوري.
(٣) الإمام الطبري / أعلام المسلمين / ص ٢٠٣.
1 / 20