Sahih Al-Athar wa Jameel Al-Ibar min Seerat Khair Al-Bashar ﷺ
صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر ﷺ
خپرندوی
مكتبة روائع المملكة
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
د خپرونکي ځای
جدة
ژانرونه
بعد ثلاث، وذهبا إِلى غار ثور، وقد أعمى الله على قريش خبرهما، فلم يدروا أين ذهبا، وكان عامر بن فهيرة يريح عليهما غنمًا لأبي بكر، وكانت أسماء بنت أبي بكر تحمل لهما الزاد إِلى الغار، قالت عائشة ﵂: (وجهّزناهما أحب الجهاز، ووضعْنا لهم سُفْرة في جِراب، فقطعتْ أسماء بنت أبي بكر قطعةً من نِطاقها، فأوْكَتْ به الجِراب، وقطعتِ الأُخرى فصيّرتها عِصامًا لفم القربة، فلذلك لُقِّبتْ بذات النطاقين (١).
وكان عبد الله بن أبي بكر يتسمَّع ما يقال بمكة، ثم يذهب إِليهما بذلك، فيحترزان منه، وجاء المشركون في طلبهما إِلى ثور، وما هناك من الأماكن؛ حتى إِنهم مروا على باب الغار، وحاذت أقدامهم رسول الله ﷺ وصاحبه وعمَّى الله عليهم باب الغار (٢).
وحزن أبو بكر رضي الله تعالى عنه لشدة حرصه، حين مرّ المشركون، وقال: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر موضع قدميه، لرآنا. فقال له النبيّ ﷺ: "يا أبا بكر، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما" (٣).
ولما كان بعد الثلاث أتى ابن أريقط بالراحلتين، فركباهما، وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة، وسار الدليل أمامهما على راحلته، وعين الله تكلؤهما، وتأييده يصحبهما، وإِسعاده يرحلهما ويُنزلهما.
ولما يئس المشركون من الظّفر بهما؛ جعلت قريش لمن جاء بهما دية كل واحد منهما، أي: مائةً من الإِبل، فجدّ الناسُ في الطلب، والله غالب على أمره، فلمّا مرّوا بحيٍّ من مدلج مصعدين من قديد، بصر بهم رجلٌ من الحيّ، فوقف على الحيّ فقال: (لقد رأيتُ آنفًا أسوِدةً ما أُراها إِلا محمدًا وأصحابَه)، ففطِنَ بالأمرِ سراقةُ بن مالك بن جعشم سيّد
(١) أخرجه البخاري في المناقب، باب هجرة النبيّ ﷺ وأصحابه ح (٣٩٠٦).
(٢) انظر: الفصول لابن كثير (ص ١١٤، ١١٥).
(٣) أخرجه البخاري في التفسير، باب قوله تعالى: ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ ح (٤٦٦٣)، ومسلم في فضائل الصحابة ح (٢٣٨١).
1 / 158