وعن عروة بن الزبير، قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي ﷺ. قال: بينا النبيّ ﷺ يصلي في حجر الكعبة؛ إِذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي ﷺ، قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله ... الآية﴾ (١).
وغضب أبو جهل من صلاة النبيّ ﷺ عند الكعبة علنًا، فقال: هل يُعفِّر محمَّد وجهه بين أظهركم؟ قيل: نعم. فقال: واللات والعزّى لئن رأيتُه يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته ولأعفِّرنّ وجهَه. فأتى رسول الله ﷺ -وهو يصلي ليطأ على رقبته، فما فجأهم منه إِلا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه، فقيل له: مالك؟ قال: إِنّ بيني وبينه لخندقًا من نار. فقال رسول الله ﷺ: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا" (٢).
لقد كان النبيّ ﷺ -وهو يعيش في هذه الأجواء التي تتصاعد منها أبخرة الكراهية والحقد والغلّ، يشعرنا أنّ الذي كان يهيمن عليه أثناءها إنما هو التفكير في دعوته وبذل كل الطاقة لنشرها، محاولًا الوصول إِلى قلوب الناس، وبذلك كان ﷺ أنموذجًا لأصحابه رضوان الله عليهم في الصبر والتحمّل في ذات الله تعالى.
شدة طغيان كفار قريش:
لقد وقف كفّار قريش من النبيّ ﷺ موقفًا لا يقف مثله إِلا سلفهم من أمثال فرعون وهامان وقارون (٣)، ومن أوجه مشابهتهم لأولئك؛ الاستكبار عن الإِيمان مع تيقنهم
(١) أخرجه البخاري في المناقب، باب مالقي النبي ﷺ وأصحابه ح (٣٨٥٦)
(٢) أخرجه البخاري في التفسير، باب ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ ح (٤٩٥٨) من حديث ابن عباس ﵄.
(٣) أخرج أحمد في مسنده (١/ ٤٠٤) من حديث ابن مسعود ﵁ أنّ النبيّ ﷺ وصف أبا جهل بأنه فرعون هذه الأمّة، وفي سنده انقطاع.