204

الصاحبي په فقه اللغه

الصاحبي في فقه اللغة

خپرندوی

محمد علي بيضون

د ایډیشن شمېره

الطبعة الأولى ١٤١٨هـ

د چاپ کال

١٩٩٧م

لَوْ عَمِلَ كلامًا مستقيمًا موزونًا يتحرّى فِيهِ الصدق من غير أن يُفْرِط أَوْ يتعدَّى أَوْ يمين أَوْ يأتي فِيهِ بأشياء لا يمكن كونها بتَّةً لما سمّاهُ الناسُ شاعرًا ولكان مَا يقوله مَخْسولًا ساقطًا. وَقَدْ قال بعض العقلاء وسُئِل عن الشعر فقال: "إن هَزَلَ أضحكَ، وإن جَدَّ كَذَبَ" فالشاعر بين كَذِب وإِضحاك، فإذا كَانَ كذا فقد نزّه الله جلّ ثناؤه نبيَّه ﷺ عن هاتين الخِصْلتين وعن كل أمر دنيء. وبعد فإنّا لا نكاد نرى شاعرًا إِلاَّ مادِحًا ضارعًا أَوْ هاجيًا ذا قذع، وهذه أوصاف لا تصلُح لنبي. فإن قال: فقد يكون من الشِّعر الحُكْمُ كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم١: "إن من البيان لسِحْرًا، وإن من الشِّعر لحِكمة" أَوْ قال: "حُكمًا" قيل لَهُ: إنما نزّه الله جل ثناؤه نبيه عن قِيل الشعرِ لما ذكرناه، فأمّا الحِكمة فقد آتاه الله جلّ ثناؤه من ذَلِكَ القِسْم الأجزَلَ والنَّصيبَ الأوفى الأزكى: قال الله جلّ ثناؤه فِي صفة نبيّه ﷺ: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ ٢ وقال: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ ٣ فآيات الله القرآن، والحكمةُ سُنَّته ﷺ. ومعنىً آخر فِي تنزيه الله جلّ ثناؤه نبيَّه ﷺ عن قيل الشعر أن أهل العَروض مُجْمِعون عَلَى أنه لا فَرْقَ بَيْنَ صِناعة العروضِ وصناعَة الإيقاع. إِلاَّ أن صِناعة الإيقاع تَقسِم الزمانَ بالنَّغَم، وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة. فلما كَانَ الشعر ذا مِيزَان يناسبُ الإيقاعَ، والإيقاعُ ضربٌ من الملاهي لَمْ يصلُح ذَلِكَ لرسول الله ﷺ. وَقَدْ قال ﷺ: "مَا أنا من دَدٍ ولا دَدٌ مني" ٤. والشِّعر ديوانُ العرب، وبه حُفِظت الأنساب، وعُرِفت المآثر، ومنه تُعلِّمت اللغة. وهو حُجَّةٌ فيما أشْكَلَ من غريب كتاب الله جلّ ثناؤه وغريب حديث رسول الله ﷺ وحديث صحابته والتابعين. وَقَدْ يكون شاعرٌ أشْعَرَ، وشِعْرٌ أحلى أَوْ أظرف. فأمّا أن يتَفاوَتَ الأشعار

١ رواه البخاري: ٤٧، ومسلم: جمعة ٤٧، وأبو داود: أدب ٨٦. والترمذي: بر ٧٩. والدارمي: صلاة ١٩٩. والموطأ: كلام ٧. وأحمد: ١/ ٣٦٩، ٢٧٣، ٣٠٢، ٣١٢. ٢ سورة الجمعة، الآية: ٢. ٣ سورة الأحزاب، الآية: ٣٤. ٤ غريب الحديث: ١/ ٣٢٩، والدد: اللعب واللهو.

1 / 212