ولأسهدنك في الدجى سهدي
ولأملأنك يا قلوب أسى
ولأوجدنك دائما وجدي
لا لا أموت بحسرتي أبدا
ويسر قوما عيشهم بعدي
في قصر من قصور الملك تحت ليلة من ليالي الشتاء متغورة النجوم، حالكة الجوانب؛ رجل كالراهب المتبتل، بادي الكمد، مستطرد الخطوات، زائغ البصر، متخاذل الأطراف ينشد بلسان حاله هذه الأبيات.
أخذ يتمشى في حجرته ساعتين أو أكثر مطرقا مفكرا سئما كليلا. فلما توسط المكان رفع رأسه ونادى: يا هجران، فدخلت عليه بيضاء اللون، صفراء الشعر، بين القبيحة والوسيمة. فلما مثلت بين يديه قال: أما آن لك يا هجران أن تصدقيني، وتتعظي بصاحبات لك حلت بهن نقمتي. فأطرقت المرأة مليا ثم قالت: أما إذا لم يكن من الصدق بد فلا يسعني إلا الإخبار بما أعلم. - هاتي ما عندك. - الذي أعلمه أنها لا تحب مولاي، ما رأيتها يوما تطرب لذكره كما تطرب ضرائرها، ولا رأيتها تعجب بشيء يكون فعله كما تعجب أترابها، ووالله لا أدري ما لها، ولقد أخبرتها إحدى جواريها خبرا. - ما قالت لها؟ - قالت لها إن مولانا قتل اثني عشر تلميذا. صب في أفواههم الرصاص، فبكت وقالت: اللهم هذا ظلم لا يرضيك. - كل ما تخبرينني به خارج عن سؤالي. أنا أريد أن أعلم كيف أحرقت الستارين. - هذا سر لا يعلمه سواها. - اذهبي فقولي لها إني قادم عليها.
فخرجت الوليدة وبقي هو وحده ينظر إلى السقف ولا يرى ما فيه، ثم تقدم إلى خزانة سلاحه فأخرج منها ثلاثة مسدسات جعل اثنين منها في كمه وأبقى الثالث بيمناه، وخرج بعد ذلك إلى حيث خرجت الوليدة. •••
هي بنت أربع وعشرين سنة هيفاء ناحلة يعلوها اصفرار من خوف، لها بسمات كأنها بكاء، عليها ثوب أزرق يحملها سرير مفخم كأنه صنع لها نعشا وعلى رأسها وصيفة لها تنصت إلى حديث كانت بدأته. لله نفوس يسكنها الأرض لتلبث فيها قليلا وترجع إليه سراعا، قد تتلألأ في بيت من الشعر ثم تسمو إلى مقاصير الملوك فتقيم بين عز الجمال وذل الأسر حتى تفيض حيث تخشع الأبصار وتسكن خافقات الجوانح.
فاستطردت هي حديثها قائلة: نعم يا جؤذر بين شجيرات الليمون في حديقة الشتاء، للحين المكتوب والقدر المتاح. كنت غداة يوم نبهتني أصوات العصافير تحت كوة حجرتي، فخرجت متبذلة مرسلة الغدائر، أشم الليمون على أغصانه ونفسي لا تطاوعني إلى اقتطافه، وإني لكذلك إذا يد تمس أحد كتفي، فالتفت فإذا هو كالسبع وقف شعره بيافوخه، وتطاير الشرر من ناظريه، فتأمل وجهي قليلا وقال لي: لا تخافي. فوالله ما طاب لي عيش بعدها ولا قر بي قرار، ولقد رفعني قدرا وجعلني ثالثة نسائه وهو مع هذا كله موتي الذي أتوقع دنوه، وبلائي الذي أخاف نزوله، هنالك غلب عليها البكاء فلم يسمع بالمكان إلا شهيق متقطع، وأعقب ذلك سكون لا يشوبه حراك.
ناپیژندل شوی مخ