123

صفوة التفاسير

صفوة التفاسير

خپرندوی

دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

د خپرونکي ځای

القاهرة

ژانرونه

الجهاد إِلا فئة قليلة منهم صبروا وثبتوا، وهم الذين عبروا النهر مع طالوت، قال القرطبي: وهذا شأن الأمم المتنعِّمة المائلة إِلى الدَّعة، تتمنى الحرب أوقات الأنفة فإِذا حضرت الحرب جُبنت وانقادت لطبعها ﴿والله عَلِيمٌ بالظالمين﴾ وعيدٌ لهم على ظلمهم بترك الجهاد عصيانًا لأمره تعالى ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ أي أخبرهم نبيّهم بأنَّ الله تعالى قد ملَّك عليهم طالوت ليكونوا تحت إِمرته في تدبير أمر الحرب واختاره ليكون أميرًا عليهم ﴿قالوا أنى يَكُونُ لَهُ الملك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بالملك مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المال﴾ أي قاموا معترضين على نبيّهم كيف يكون ملكًا علينا والحال أننا أحقُّ بالملك منه لأن فينا من هو من أولاد الملوك وهو مع هذا فقير لا ما له فكيف يكون ملكًا علينا؟ ﴿قَالَ إِنَّ الله اصطفاه عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم﴾ أي أجابهم نبيّهم على ذلك الاعتراض فقال: إِنّ الله اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم، والعمدة في الاختيار أمران: العلم ليتمكن به من معرفة أمور السياسة، والأمر الثاني قوة البدن ليعظم خطره في القلوب، ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الشدائد، وقد خصّه الله تعالى منهما بحظ وافر، قال ابن كثير: ومن هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم، وشكل حسن، وقوّةٍ شديدة في بدنه ونفسه، ﴿والله يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ﴾ أي يعطي الملك لمن شاء من عباده من غير إِرثٍ أو مال ﴿والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ أي واسع الفضل عليمٌ بمن هو أهلٌ له فيعطيه إِياه.
. ولمّا طلبوا آية تدل على اصطفاء الله لطالوت أجابهم إِلى ذلك ﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ﴾ أي علامة ملكه واصطفائه عليكم ﴿أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت﴾ أي يردَّ الله إِليكم التابوت الذي أخذ منكم، وهو كما قال الزمخشري: صندوق التوراة الذي كان موسى ﵇ إِذا قاتل قدَّمه فكانت تسكن نفوس بني إِسرائيل ولا يفرون ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ موسى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الملائكة﴾ أي في التابوت السكون والطمأنينة والوقار وفيه أيضًا بقية من آثار آل موسى وآل هارون وهي عصا موسى وثيابه وبعض الألواح التي كتبت فيها التوراة تحمله الملائكة، قال ابن عباس: جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعه بين يدي طالوت والناس ينظرون ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أي إِن في نزول التابوت لعلامة واضحة أنّ الله اختاره ليكون ملكًا عليكم إِن كنتم مؤمنين بالله واليوم الآخر ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بالجنود﴾ أي خرج بالجيش وانفصل عن بيت المقدس وجاوزه وكانوا ثمانين أخذ بهم في أرض قفرة فأصابهم حرٌّ وعطشٌ شديد ﴿قَالَ إِنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ أي مختبركم بنهر وهو نهر الشريعة المشهور بين الأردن وفلسطين ﴿فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾ أي من شرب منه فلا يصحبني - وأراد بذلك أن يختبر إِرادتهم وطاعتهم قبل أن يخوض بهم غمار الحرب - ﴿وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني﴾ أي من لم يشرب منه ولم يذقه فإِنه من جندي الذين يقاتلون معي ﴿إِلاَّ مَنِ اغترف غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ أي لكن من اغترف قليلًا من الماء ليبلَّ عطشه وينقع غلته فلا بأس بذلك، فأذن لهم برشفةٍ من الماء تذهب بالعطش ﴿فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنْهُمْ﴾ أي شرب الجيش منه إِلا فئة قليلة صبرت على العطش، قال السدي: شرب منه ستة وسبعون ألفًا وتبقّى معه أربعة آلاف ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ والذين آمَنُواْ مَعَهُ﴾ أي

1 / 142