347

صفوة العصر په تاریخ او ورسوم مشهور رجال مصر کې

صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر

ژانرونه

وبعد الانقلاب الذي تم بخلع الخديوي إسماعيل باشا، وتولية المرحوم توفيق باشا عين صاحب الترجمة «بطرس بك غالي» وكيلا لنظارة الحقانية، ولما تشكلت وزارة شريف باشا في أثناء الثورة العرابية عهدت إليه سكرتيرية مجلس النظار مدة، ثم استقل بوكالة الحقانية وعقب حدوث الثورة العرابية سنة 1882م، وبناء على طلب مجلس النظار تحت رئاسة البارودي باشا، أنعم على صاحب الترجمة برتبة الميرميران، وهو أول من حازها من الأقباط.

ومن الخدم التي يذكرونها له في أثناء الثورة العرابية أن العرابيين بعد أن فروا من التل الكبير، وأتوا إلى القاهرة عقدوا مجلسا للمفاوضة في ماذا يفعلون، ودعوا إليهم كبار الرجال من الأمراء العسكريين والملكيين، وشاوروهم فيما ينبغي عمله فكان رأي صاحب الترجمة التسليم للخديوي، إذ أراد عرابي أن يعمل خط نار لمنع دخول الإنجليز في مصر، وقال له المترجم: إن الأوفق أن تجعل تاريخك ناصع البياض ولا تشوبه بمداد السواد، وبناء على ذلك قبل المجلس الحربي وعرابي ما أبداه المترجم، وعهد إليه ومحمد رءوف باشا وعلي الروبي تقديم عريضة إلى أولي الشأن في الإسكندرية نائبين عن العرابيين.

وظل وكيلا لنظارة الحقانية عدة سنين وفي عهد وزارة فخري باشا تعين المترجم ناظرا للمالية، ثم في وزارة فخري باشا التي لم تمكث سوى ثلاثة أيام ثم في وزارة نوبار باشا، وتعين وزيرا للخارجية في عهد وزارة المرحوم مصطفى فهمي باشا، ومكث فيها حتى سقطت الوزارة الفهمية فوقع موقع الاختيار على تشكيل وزارة جديدة، فشكلها في 10 نوفمبر سنة 1908م، وتولى رئاستها مع وزارة الخارجية وهو أكبر منصب يرجوه ابن النيل.

وفي عهد وزارته همت الحكومة المصرية بتوسيع اختصاصات مجلس شورى القوانين، فقررت اشتراك الأمة في النظر في مشرعاتها بعرضها على المجلس، ويحضر الوزراء للمناقشة فيها. وما زال عاملا مجدا حتى قتل في 21 فبراير سنة 1910، وقاتله شاب اسمه إبراهيم ناصب الورداني، وهو أحد أفراد جمعية فوضوية ظهرت أخيرا في مقتل «المرحوم السردار»، ذلك أنه بينما كان الفقيد نازلا من ديوان الخارجية يوم الأحد الموافق 21 فبراير سنة 1910 في نحو الساعة الأولى بعد الظهر، ووراءه سكرتيره الخاص أرمولي بك وبالقرب منهما حسين رشدي باشا، الذي كان ناظرا للحقانية وقتئذ والذي جاء يودع الفقيد إلى الباب، إذ فوجئ بخمس رصاصات أطلقت عليه من مسدس أصابته في الذراع والعنق والكتف والجنب فأغمي عليه، وسقط من المركبة ثم حاول الضارب أن يهرب، فأسرع أرمولي بك والحجاب الواقفون إليه وأمسكوه وأدخلوه إلى الوزارة، وقدم هذا الجاني الأثيم إلى العدالة، فقضت بإعدامه شنقا، وهذا جزاء الخائنين المارقين وحمل المصاب إلى غرفته، وأسرعوا إلى استدعاء أطباء مصلحة الصحة ورجال جمعية الإسعاف، وعلى الأثر جاء الدكتور نولسن الطبيب الشرعي وتبعه عدد كبير من الأطباء فاتخذوا الاحتياطات الوقتية والإسعافات الضرورية، ثم أخرجوا بعض الرصاصات ومن ثم نقل المصاب إلى مستشفى الدكتور ملتن، وكان حسين رشدي باشا راكبا بجانبه، وأبلغ خبر الحادث تلفونيا إلى سمو الخديوي عباس باشا الثاني خديوي مصر السابق في سراي القبة، فأظهر شديد الحزن ولم تأت الساعة الثالثة حتى كان سموه قد وصل إلى سراي عابدين، فاجتمع بوزرائه وعقدوا مجلسا فوق العادة للنظر في أمر هذا الحادث الفجائي الخطير، وقبيل الساعة الرابعة ركب سموه وإلى يساره نظار الداخلية، ويمم المستشفى حيث دخل إلى غرفة وزيره فلما وقعت عيناه عليه بدت على محياه علامات التأثر، فقبله وبكى مظهرا أجمل مظاهر الانعطاف الملوكي، ثم شجعه وانصرف عائدا إلى سراي عابدين، ولم يعد سموه إلى سراي القبة إلا بعد أن أمر أن تبلغ إليه أخبار حالته ساعة بساعة، وكان الخبر قد بلغ إلى أقاصي بلاد القطر، فتواردت التلغرافات تترى من أعيان البلاد سائلة مستفسرة عن حقيقة الحادث، واشتغلت شركة التلفون بالعاصمة طوال الليل في الإجابة على أسئلة السائلين، وقد ازدحم المستشفى بالمئات من الذوات والأعيان، وفي مقدمتهم الأمراء والوزراء وقناصل الدول وما جاءت الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة عشرة حتى فاضت روحه الكريمة، فسمعت ضجة كبرى ارتجت لها جوانب المستشفى، وماج الداخلون في موجة الحزن تذهب بهم الأفكار كل مذهب.

ولما بلغ خبر وفاته سمو الخديوي أجهش بالبكاء، وأخذ يقول: وا حيرتاه وا حسرتاه عليك يا عظيم الرجال، ويا أقدر الوزراء ويا أكبر المخلصين، وأخذ يعدد مآثره البيضاء التي عرفها سموه أكثر من غيره، وفي الحال عقد مجلس الوزراء برئاسة سموه وقرر أن يحتفل بتشييع جنازة الفقيد احتفالا رسميا على نفقة الحكومة، وأن يسير المشهد في منتصف الساعة الحادية عشرة صباحا من مستشفى ملتون إلى الكنيسة المرقسية الكبرى، ومنها إلى دير أنبارويس، فما أشرقت شمس يوم الثلاثاء إلا والأعلام منكسة حدادا على الفقيد العظيم، وجعلت الفصائل العسكرية تتتابع لتحل في محلاتها تتقدمها موسيقاتها، والمركبات تتقاطر إلى المستشفى ولم تأت الساعة العاشرة إلا ومعظم أسواق العاصمة ومحلاتها ودكاكينها قد أقفلت تعظيما لشأن الفقيد، وأقبلت عربة الفقيد لحمل النعش من الكنيسة إلى المدفن مجللة بالسواد يجرها ثمانية من الجياد، واثنتا عشرة عربة مملوءة بأكاليل الأزهار والرياحين، وازدحمت الجماهير العديدة، ثم أقبل الوزراء جميعا وسمو البرنس محمد علي باشا وساكن الجنان حسين كامل باشا - سلطان مصر الأسبق - والبرنس كمال الدين، وغيرهم من أمراء العائلة المالكة، ودولة رءوف باشا القومسير العثماني في ذلك الوقت، والمرحوم رياض باشا وعطوفة السردار حاكم السودان العام، وقناصل الدول الجنرالية وأكابر موظفي الحكومة المصرية والمحاكم المختلطة، وصندوق الدين ورجال الشورى والجمعية العمومية.

ونزل النعش محمولا على أيدي عساكر من البوليس، حيث كانت عربة من عربات المدافع المصرية، يجرها ستة جياد واقفة بالانتظار، وكان جيش الاحتلال قد أرسل عربة أخرى من عربات مدافعه لنقل الفقيد فشكر أهل الفقيد واعتذروا بوجود العربة المصرية، ثم لف النعش بالعلم المصري، ووضع على المركبة وفوقه سيف الفقيد ونشانه العثماني، ومشى على جانبها حاجبان يحملان نشانات الفقيد العديدة، ومن ثم واروه التراب بين جمع غفير، وقد تقدم من حاملي أبسطة الرحمة التي يبلغ عددها الخمسة صاحب السمو البرنس محمد علي باشا بالنيابة عن الجناب الخديوي، وبعد الصلاة وقف نيافة الأنبالوكاس مطران كرسي قنا مؤبنا الفقيد حتى أسال العبرات.

وقد تبارى الشعراء في رثاء الفقيد معددين صفاته، وجليل أعماله ونظرا لضيق المقام هنا اكتفينا بإثبات تلك القصيدة الفريدة التي ألقاها سعادة أمير الشعراء أحمد شوقي بك، عند نقل رفات الفقيد بعد عام من وفاته إلى قبره الفخم الواقع داخل كنيسته الخصوصية المعروفة باسمه بدير أنبارويس بالشارع العباسي، والذي أنفق عليه وعلى الكنيسة ما لا يقل عن العشرين ألفا من الجنيهات قال حفظه الله:

قبر الوزير تحية وسلاما

الحلم والمعروف فيك أقاما

ومحاسن الأخلاق فيك تغيبت

ناپیژندل شوی مخ