وافرا من أيام عمرهم في تحصيل ملكة البلاغة وحصولها لهم، فلأنه لم ينقل عن أحد ولا عن جماعة بالمعاضدة معارضة القرآن بسورة اعتقد المعارض وأهل اللسان الذين لم يكونوا معارضين، أو أحدهما بعد سماع القرآن وتأمل بلاغتها أنها مثل سورة منه، وعدم نقل هذه المعارضة دليل على عدمها كما ذكرته آنفا.
وأما كونه صادقا في الدعوى، فلأن عجزهم المطلق عن الإتيان بسورة من مثله يدل على أن هذا الكلام ليس من البشر وإن كان قارئ، فكيف من الأمي، فذكر الأمية لغاية توضيح عدم كون القرآن من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكونه من الله تعالى، وإذا كان الكلام من الله تعالى، فالمنزل إليه صادق في الدعوى المذكورة، بل في جميع ما يقول، وإلا يلزم الظلم والإغراء بالباطل، كما ذكرته في المبحث الثاني من المقصد الأول.
فإن قلت: زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان على نوعين: أحدهما زمان كان القادر على المعارضة غير خائف لعدم قوة الإسلام، والثاني زمان كان للإسلام قوة وشوكة، ولعل القادر عليها يمنعه الخوف عن المعارضة في زمان قوة الإسلام، وفي زمان عدم القوة، وفرض عدم الخوف في زمان القوة عن أصل المعارضة لعلها قد وقعت ولم ينقلوها بعد المعارضة، لقوة الإسلام وسطوته وضعف الفرق المخالفة، بحيث لم يكونوا قادرين على إظهار المعارضة الواقعة في مدة متمادية، وكتموها خوفا من أهل الإسلام، وكتم أهل الإسلام لمخالفتها لغرضهم، وإخفاء الأمور بسبب الخوف والدواعي يصير سببا لخفائها المطلق واضمحلالها، ولعل المعارضة كذلك.
قلت: قوة الإسلام والخوف من أهله لا يمنعان من حفظ المعارضة وضبطها، وغاية الأمر منعهما من إظهار المعارضة في بلاد الخوف، ونحن قاطعون بعدم ضبط المعارضة في بلد من البلدان مع قوة الداعي على الضبط، وإلا لعارض المنكرون في بلادهم في بعض أوقات ورود أهل الإسلام تلك البلاد، ونقل المسافرون
مخ ۴۴