وصب وجهه من الساعد إلى الكتف ليرى الوجه والعينين ... عينين ترمقانه في غضب لطريقته في طلب تذكرة السفر، ونظرته الجريئة، وضحكته البلهاء، وكانت ضحكته البلهاء إحدى سخافاته أيضا ... يطلقها دائما في وجه كل امرأة ينظر إليها ... ليست ابتسامة الذي يرى شيئا لطيفا، ولكنها ضحكة الذي يرى شيئا يثير الضحك.
وانسحبت صاحبة اليد مسرعة، وتكاسل هو برهة، أحصى خلالها باقي النقود الذي رده إليه عامل التذاكر ... وسار بجوار القطار وأخذ ينظر من نوافذه ليرى أين تجلس؟ فأعياه البحث، وأخيرا وجد مقصورة خالية فأسرع إليها، وجلس يطالع صحيفة الصباح، ولفت نظره من جديد نعي ذلك الشخص الذي قرر أن يصطنعه عما لينقذ نفسه من سعدية ... وقرأ النعي بتأن وعناية فعرف أن لهذا العم الذي مات أقارب منهم أطباء ومحامون ... ومنهم أيضا أحد زملائه في الكلية وأصدقائه بعد التخرج، صديق كل الفرق بينه وبينه أنه هو آثر أن يشتغل بالقراءة حتى لا يزيد ثروته ... في حين اشتغل هذا الصديق بالمحاماة ... لسوف تكون مجاملة لذيذة حينما يذهب إلى مأتم عمه ... فيعزي الصديق.
وكان يوشك أن يقرأ عنوان البيت حيث يقام السرادق، حين صدمته قدم تفسح لنفسها الطريق ... ورفع رأسه ورآها تجلس في المقعد المقابل دون أن تنظر إليه، بل لعلها نظرت إليه وعرفته، ولهذا اتخذت هذا التصرف الجاف ...
وجلست وفتحت كتابا وأخذت تتصفحه دون أن تتغير ملامح وجهها الجافة ... وقال متحديا ومتصنعا الجد: عندما يصدم الناس المهذبون أقدام غيرهم يعتذرون ... خصوصا إذا كان المصدومة قدمه مثلي ... غارقا في الصدمات.
وتصنع التأثر ... ولم ترفع رأسها عن الكتاب ... ومرت فترة قال بعدها: صدمتان في اليوم الواحد، هذا لا يحتمل ...
ورفعت رأسها ببطء، وقالت ووجهها محتفظ بتجهمه: لا تعني بالطبع وقفتك السخيفة في شباك التذاكر، لقد مددت يدي بلطف.
وقال على الفور: بلطف ورشاقة ... لا يمكن أن تعد هذه صدمة ... لا أعني ذلك مطلقا ... قد أكون وقفت بسخافة كما تقولين ... لكن لو عرفت أي تعس أنا منذ هذا الصباح لالتمست لي العذر ... تصوري إنسانا يفقد عمه الحبيب في غمضة عين.
ورفعت رأسها، وقد عرتها الدهشة: أنت أيضا؟ مات لك عم اليوم؟ - أجل ... وفي الإسكندرية تصوري عمي الذي رباني بعد أبي ... أبر إنسان بي في هذا الوجود ... يموت دون أن أراه، كان في أحسن صحة ... حتى أول أمس كان يحدثني بالتليفون ثم ... اقرئي ... لا أكاد أصدق عيني ... دعيني أسمع لربما صدقت.
وتناولت الصحيفة من يده حيث يشير ... ورأت النعي فرفعت رأسها إلى وجهه، وقد مرت بشفتيها حركة عصبية. - ألتمس منك خدمة ... اقرئي لي الخبر ... النعي فقط، هل صحيح أنه مات ...
وتناولت الصحيفة وقالت في أسى: معذرة إذا أصبت بالجنون ... لكن البقية في حياتك ... هذا هو حال الدنيا.
ناپیژندل شوی مخ