هذا عام 1972، وتبدو جوان نفسها أصغر سنا مما كانت عليه قبل عشر سنوات خلت: شعرها أسود، طويل، معقوص خلف أذنيها؛ تضع مكياجا على عينيها وليس على فمها؛ ترتدي أثوابا قطنية ناعمة وفضفاضة وزاهية الألوان أو سترات قصيرة خفيفة لا تغطي إلا بوصتين من فخذيها. لا تلفت النظر في تلك الملابس - تأمل ألا تلفت النظر - نظرا لأنها امرأة طويلة، نحيلة الخصر، ورجلاها طويلتان، جميلتان.
ماتت أمهما. باع موريس المنزل وشيد، أو أعاد بناء، العمارة هذه ومباني أخرى. حول الأشخاص الذين اشتروا المنزل إلى دار لرعاية المسنين. كانت جوان قد أخبرت زوجها أنها تريد العودة إلى ديارها - أي إلى لوجان - لمساعدة موريس على الاستقرار، لكنها تعرف، في حقيقة الأمر، أن موريس سيستقر؛ في ضوء فهمه للأمور، كان موريس يبدو دوما مستقرا. كل ما يحتاج جوان إليه هو أن تساعده في ترتيب بعض الصناديق وخزانة مليئة بالملابس، الكتب، الأطباق، الصور، الستائر التي لا يريدها أو لا يوجد لديه مكان لها وكان قد وضعها مؤقتا في بدروم العمارة.
كانت جوان متزوجة منذ أربعة أعوام، كان زوجها صحفيا، يعيشان في أوتاوا. يعرف الناس اسمه، يعرفون حتى شكله، أو كيف كان يبدو قبل خمس سنوات، من صورته أعلى عمود في صفحة خلفية في إحدى المجلات. جوان معتادة على أن يجري التعرف عليها باعتبارها زوجته، هنا وفي أماكن أخرى. لكن في لوجان، تظل عملية التعرف عليها مصدر فخر خاص لها. لا يأبه معظم الناس هنا بالأسلوب الصحفي لزوجها، الذي يعتبرونه ساخرا، أو بخياراته، لكنهم يشعرون بالفرح أن فتاة من هذه المدينة ترتبط بشخص مشهور، أو نصف مشهور.
تخبر زوجها أنها ستبقى هنا لمدة أسبوع. تصل مساء الأحد، في أواخر شهر مايو، وموريس يجز أول حشائش تظهر خلال العام. تنوي أن ترحل يوم الجمعة، وتقضي السبت والأحد في تورونتو. إذا اكتشف زوجها أنها لم تقض الأسبوع بالكامل مع موريس، فلديها قصة جاهزة للرد عليه؛ قصة عن قرارها، عندما تنتهي من مساعدة موريس، بزيارة صديقة لها تعرفها منذ أيام الجامعة. ربما يجب أن تذكر هذا الأمر لزوجها على أي حال، سيكون هذا أكثر أمانا. تشعر بالقلق عما إذا كان بإمكانها أن تثق في صديقتها في هذا الشأن.
هذه هي المرة الأولى التي تفعل فيها شيئا كذلك.
تقف العمارة راسخة في قطعة الأرض المبنية عليها، تطل نوافذها على مساحة لانتظار السيارات أو على الكنيسة المعمدانية. كان ثمة سقيفة انتظار هناك، حتى يترك المزارعون جيادهم فيها أثناء القداس في الكنيسة، مبنى من الطوب الأحمر، لا توجد شرفات، مبنى خال من أي زخارف.
تحتضن جوان موريس، تشم رائحة سجائر، وبنزين، وقميصه الرقيق، المهترئ، المتعرق، فضلا عن رائحة الحشائش المشذبة حديثا. تصيح بصوت أعلى من صوت آلة جز الحشائش: «آه، موريس، أتعلم ماذا يجب أن تفعل؟ ... يجب أن تضع عصابة على عينك، ستبدو مثل موشيه ديان تماما!» •••
تسير جوان كل صباح إلى مكتب البريد، تنتظر خطابا من رجل من تورونتو، اسمه جون برولير. كتبت إليه وأعطته اسم موريس، واسم المدينة، ورقم صندوق بريد موريس. بدأت لوجان تتسع، لكنها لا تزال مدينة أصغر من أن تكون فيها خدمة توصيل الخطابات للمنازل.
يوم الإثنين صباحا، لا تكاد تأمل في وصول أي خطاب. يوم الثلاثاء، تأمل في وصول خطاب. يوم الأربعاء تشعر أنها يجب أن تنتظر الخطاب. تشعر بخيبة الأمل كل يوم، كل يوم يطفو شعور بأنها جعلت نفسها تبدو كالحمقاء - شعور بالعزلة وبأنها غير مرغوب فيها - أكثر فأكثر إلى السطح. لقد صدقت وعد رجل عاهدها عندما لم يكن جادا فيما يقول. لقد فكر في الأمر مرة أخرى.
مكتب البريد الذي تذهب إليه مبنى جديد، منخفض، وردي الطلاء، ومشيد من الطوب. تم هدم المبنى القديم الذي كان يشبه القلعة. تتغير صورة المدينة كثيرا، لا يجري هدم كثير من المنازل، لكن يجرى تطوير معظمها. طبقة خارجية من الألومنيوم، طوب معالج بالرمل المدفوع بالهواء، أسقف براقة، نوافذ واسعة من طبقتين، شرفات يجري هدمها أو ضمها إلى المنازل كأروقة. تختفي الأفنية الواسعة، المغطاة بالحشائش البرية - كانت في حقيقة الأمر قطع أرض مزدوجة - ويتم بيع الأراضي الزائدة ويجري البناء عليها. المنازل الجديدة محشورة بين المنازل القديمة، كلها منازل شبه حضرية في طرازها، عريضة ومنخفضة، أو متعددة المستويات. الأفنية منظمة ومخططة جيدا، بها بقع لشجيرات الزينة، وأحواض الزهور المستديرة وهلالية الشكل. يبدو أن العادة القديمة لزراعة الزهور مثل الخضراوات، في صفوف إلى جانب البقول أو البطاطس، تختفي. يجري قطع كثير من أشجار الظل الكبيرة، ربما صارت عجوزة وخطرة. المنازل المتهالكة، الحشائش الطويلة، الأرصفة المشققة، الظلال الوارفة العميقة، الشوارع غير المرصوفة المليئة بالغبار أو برك المياه؛ كل هذا، وهو ما تتذكره جوان، غير موجود. تبدو المدينة مزدحمة، متضائلة، ممتلئة بالمباني الأنيقة، ومخططة إلى حد كبير. كانت مدينة طفولتها - لوجان تلك المدينة العشوائية الحالمة - تمر بمرحلة مختلفة، لم تكن سياجاتها الخشبية المائلة وجدرانها التي لفحتها الشمس وأعشابها المزهرة تعبيرا دائما عما يمكن أن تكونه المدينة. وبدا الأشخاص مثل السيدة باتلر - المعتادة على ارتداء ملابس معينة ، والموسوسة - مرتبطين بشدة بتلك المدينة القديمة ولم يعد من الممكن احتمالهم أكثر من ذلك. •••
ناپیژندل شوی مخ