فتنهد عزيز باشا، وقال: أف، لست أنت غريبا يا مسيو ديمتري، إن المرأة كرهتني بالنساء، ولم أر امرأة مثلها لا تستأمن زوجها؛ فقد رأتني في كرب من جراء حالتي المالية وعرفت أني في ضيق مالي شديد، ومع ذلك لم تشأ أن تسعفني بشيء من ثروتها الطائلة؛ لكي أنتعش وأسلك بين الرجال مسلك البطل المحنك في الحرب العالمية، وأنت تعلم أن المال ملح الرجال بل قوتهم الحقيقية، أي امرأة غنية ترى زوجها يشقى لفراغ يديه من المال ولا تنجده، أما هذه المرأة فترى أني أكاد أذوب غما؛ لضعف قوتي المالية، ومع ذلك تضن علي بفدان من أطيانها. - إنها لسيئة النية على ما يلوح لي يا عزيز باشا. - خبيثة، صرت أكرهها كرهي لإبليس، ولولا أملي بأن أنتفع بشيء من ثروتها لطلقتها، فقال خليل بك: أما من وسيلة لاختلاس شيء من ثروتها؟
فقال ديمتري: إذا قلت الحيل والوسائل فلا أنجح من الإكراه.
فقال عزيز باشا: أنستطيع أن نكرهها على إيهاب أو بيع قسم من أملاكها؟ - لماذا لا؟ اكتب حجة بعزبة من عزبها، ثم نستدعي علي أفندي حامد ومحمد أفندي حفيظ، ونتهددها أن تمضي الحجة بالرغم منها وأنا وحامد وحفيظ نشهد عليها، فقال خليل بك: وهل تظن أن علي حامد ومحمد حفيظ يشهدان؟
فقال عزيز باشا: لماذا لا يشهدان؟ لا ريب أن اللذين أمكننا أن نستخدمهما في قتل كارولين يمكننا أن نستخدمهما في هذه المهمة، أما أصبحا ذوي ثروة طائلة من فضلنا فعليهما أن يخدمانا هذه الخدمة.
فقال ديمتري: ولهما جزاؤهما. - بالطبع. - إذن ندبر هذا الأمر أيضا. - نعم نعم، ولكن كيف تستصوب أن نفعل ذلك يا ديمتري وأين؟ - نكتب الحجة قانونية، وأنت تحتال عليها، وتأتي بها إلى مكتب الدائرة ليلا لغرض من الأغراض، وهناك تتهددها وتضطرها أن تمضي الحجة ونشهد عليها. - ولماذا لا يكون ذلك في البيت؟ - لأننا نخاف أن بعض الخدم يلاحظون أننا نرغمها على أمر لا تريده، فيكونون شهودا علينا، فالأفضل أن نبتعد عن الناس؛ لكي يكون عملنا هذا سريا لا نمسك به؛ وإلا كنا تحت خطر قضية جنائية. - صدقت. - فإذن علينا أن نستعد الاستعدادات الكافية للأمرين معا؛ أولا تسميم عائدة، والثاني إرغام زينب هانم على التنازل عن قسم من ثروتها. - نعم نعم، وعليك الاتكال ولك الجزاء الحسن - إن شاء الله.
الفصل السابع والعشرون
في صباح اليوم التالي سمى ديمتري باسم إبليس الرجيم، وتوجه إلى صيدلي صديقه، وقال له: أرجوك أن تبيعني قليلا من الزرنيخ؛ لأني أبتغي أن أصنعه طعما للفار، فباعه بضع غرامات منه، ثم انتقل إلى صيدلي آخر فطلب منه بعض برشامات فارغة مختلفة الحجم وأن يصنع له بعض حبوب ملينة، فأعطاه ما طلب، ثم اختلى في غرفته ومزج بعض الزرنيخ بشيء من الكينا وقسمها في بعض برشامات مختلفة الحجم، ثم عجن تلك الحبوب، ومزج فيها شيئا من الزرنيخ وقسمها حبوبا مختلفة الحجم أيضا، ثم مزج ما بقي من الزرنيخ في قليل من الماء ووعاه في زجاجة صغيرة، ثم وضع هذه الأجزاء الصغيرة في جيوبه ومضى إلى قهوة قريبة من بيت طاهر أفندي.
وقعد يترقب خروج أحد الخدم من المنزل؛ لكي يتتبعه لعله يذهب، وكان يظن أن الخدم لا يعرفونه، قضى ديمتري الشرير يتردد إلى تلك القهوة ويحوم حول المنزل، وبينه وبين الأجزاخانة القريبة منه عدة ساعات؛ عساه يصادف أحد الخدم المشار إليهم خارجا من البيت أو داخلا إلى الأجزاخانة أو مارا أمام تلك القهوة التي هي على الطريق بين الأجزاخانة والبيت فلم يصدق ظنه.
صار وقت الظهر ومرت الساعة الأولى فالثانية فالثالثة ولم يمر أحد من الخدم فضاق ذرعه وجعلت نفسه تحدثه أن يؤجل هذه المهمة إلى اليوم التالي، وما صمم على التأجيل حتى رأى الخادم المنتظر فراقبه حتى رآه يدخل الأجزاخانة فانتظره في قهوة قريبة حتى عاد وفي يده علبة برشام وزجاجة كبيرة فاعترضه قائلا: بحياتك يا هذا، خذ هذه الرسالة إلى بيت التلغراف وأرسلها؛ فإنها معجلة وأنا مشغول هنا لا أقدر أن أذهب فأرسلها.
فتردد ذلك الخادم قائلا: ليس عندي وقت؛ فإن الدكتور ينتظر هذه الأدوية ليعطي الست منها. - لا بأس، إن المسافة قصيرة جدا فتذهب وتعود في خمس دقائق، وهذا ربع ريال لك، اذهب يا حبيبي لأجل خاطري؛ فإن هذه الرسالة ضرورية وأنا مشغول، أودع هذه هنا.
ناپیژندل شوی مخ