فإذا قرأتها وجدت كيف أن الحسود يبذل نفسه وعرضه وماله، لكي يجذب المجتهد المفلح إلى درك الانحطاط.
نقولا حداد
الفصل الأول
- أراك مجافيا لي في هذه الأيام يا عزيزي حسن، وقد شغلت بالي باستمرار رزانتك خلافا لعادتك، فخطر لي أن يكون قد وقع مني ما ساءك. - لماذا تظن هذا يا عزيزي يوسف، أيمكن أن أستاء مهما وقع منك من الأمور؟ - إذن لماذا هذا التقطيب؟ ألححت عليك أمس أن نمضي إلى غابة بولونيا فلم تصحبني، والآن ألح عليك أن نمضي إلى الكوميدي فرانسز، فتأبى، أفلا تلوح لي ظنون مختلفة؟ - لماذا تفترض أن يكون سبب تقطيبي استياء منك ولا تفترض أن يكون سببه أمرا آخر ليس له مساس بك؟ فلو ساءني منك أمر لما صبرت عن معاتبتك؛ لأن العتاب صابون القلوب. - إذن لست مسرورا.
فصرف حسن وجهه عن يوسف متملصا من الجواب، واستأنف هذا كلامه قائلا: أحس يا عزيزي حسن أنك في استياء عميق، ولا يسعني - وأنا صديقك الحميم - أن أسر وأنت منقبض، فأشركني في معرفة سبب استيائك، إن لم يكن سرا ليس في وسعك أن تبوح به لعل لي رأيا صائبا في تلافيه.
فتنهد حسن قائلا: ليس عندي سر أكتمه عنك يا يوسف، ولكني كتمت هذا السر إلى الآن خشية أن تضحك مني متى عرفته؛ لأنه قد يتراءى لك سخافة في أهم أمر من أموري.
وكاد الدمع يطفر من عينيه فقال له يوسف: إنك غلطان في ظنك هذا؛ لأن الأمر الذي يهمك إلى هذا الحد - مهما كان سخيفا - أعده مهما؛ لأنه يهمك فإن لم يكن ما يمنعك عن القول فقل؛ فإن بثك ما في نفسك من الشجون يصرف أساك ويسري عنك. - إذن اجلس إلى جانبي واسمع حديثي عساك أن تفرج كربي.
جرى هذا الحديث بين حسن بهجت ابن سليم صالح، ويوسف بك رأفت ابن عبد العليم باشا صدقي في غرفة في أحد فنادق باريس؛ فالأول كان يدرس المحاماة، والثاني يدرس الطب في تلك العاصمة الزاهرة، وكلاهما مقيم في ذلك النزل، ومتجاوران كصديقين حبيبين، وكان يوسف بك يلاحظ أن صديقه حسن قد تغير خلقه منذ يومين، فكان يئول تغيره تآويل مختلفة، وقد كاشفه أمره - كما تقدم الحديث - وعند ذلك جلس يوسف إلى جنب صديقه حسن واستمرا في حديثهما.
قال حسن: إن سري لعميق جدا يا عزيزي يوسف لم أبح به لسواك، ولا ريب عندي أنك تكتمه بل أؤمل أنك تعضدني في الحصول على أمنية عظمى قد وقفت كل قواي لها. - قل يا حسن فلا داعي لهذه المقدمة، إني لك في كل أمر وأنت تعلم. - إن غمي شديد يا يوسف وألم قلبي أشد فبربك سكن آلامي، ألا تذكر كلمة قالها خليل بك مجدي أمس إذ كنا في الحانة؟ - كلا، لم ألاحظ شيئا. - بالطبع لم تلاحظ؛ إذ لا ناقة لك في موضوع حديثه ولا جمل. - ماذا قال، فهل أساءك؟ - ألا تذكر أن الحديث جرنا إلى الزواج؟ - نعم أذكر ذلك جيدا. - ألا تذكر أنه سمى فتاة عروسا له؟
فافتكر يوسف بك هنيهة ثم قال: نعم أذكر أنه قال: إن نعيمة ابنة حسين باشا عدلي ستكون زوجة له متى انتهى من دراسة الحقوق، فأي أمر في قوله هذا يسوءك؟
ناپیژندل شوی مخ