سعد زغلول مشر د انقلاب
سعد زغلول زعيم الثورة
ژانرونه
وربما ظنت الحكومة البريطانية أنها تبيح نفسها مثل ذلك التصريح دون أن يجسر سعد على إباحة مثله نفسه؛ لأنه قائم في منصب الوزارة، فيسمعه ويغضي عنه ويذهب إلى المفاوضة وهو مسلم به سكوتا قبل أن يسلم به مقالا! فكانت إجابته على التصريح بمثله حتما، وكان حتما معها أن يعرب عن زهده في الوزارة التي يحسبونها قيدا له يجبره على الإغضاء، وقد استقال فرفض الملك قبول استقالته، وأبدى له - كما أبدى الشيوخ والنواب - أن فيما صرح به الكفاية للرد على التصريحات الإنجليزية.
لم يكن المقصود إذن أن يرى خصومه الإنجليز والمصريون كيف يعمل في الوزارة، بل كان المقصود أن يروا كيف يعجز عن العمل، وكيف يتغير في الوزارة ويخل بأمانة الزعامة، فلا هو وزير ولا زعيم، وليس له وهو محاط بهذه النيات المدخولة أن يصنع غير ما صنع وأن يعالج الشرك المنصوب بغير ما عالجه به من ثبات ومراس، هما في وقت واحد إقدام الزعامة وحيلة السياسة، وإخلاص المجاهد وحيطة الأريب.
ولقد أصيبت وزارة سعد بالإجرام كما أصيبت بالإحراج، فوقعت في عهدها جنايتان وبيلتان، إحداهما موجهة إلى حياته والأخرى موجهة إلى وزارته، وكلتاهما في اعتقاد سعد من تدبير واحد.
أما الجناية الأولى، فهي حادثة الاعتداء عليه في محطة العاصمة، حين كان ينتوي السفر إلى الإسكندرية لحضور تشريفات عيد الأضحى (12 يوليو سنة 1924).
اعتدى عليه شاب مفتون من أعداء المفاوضات؛ لأنها في رأيهم تصد الأمة عن سبيل الجهاد الناجع، وقال في التحقيق إنه تعمد إرهاب سعد؛ لأنه يرغب في المفاوضة، ولأنه قال: «إن الإنجليز خصوم شرفاء معقولون.»
وقد أصابته الرصاصة في الساعد الأيمن ثم في صدره، وحاول الجاني أن يطلق غيرها فتكاثرت عليه الجماهير، وهموا بتمزيقه لولا رجال الشرطة الذين أحاطوا به فأنقذوه. ومن غرائب ما حدث في هذا الاعتداء أن المسدس الذي كان مع الجاني اختفى عقب الاعتداء فلم يعثر له على أثر، وشهد محام كان على مقربة من الجاني أنه رأى ضابطا إنجليزيا من ضباط الشرطة يخفيه في جيبه، وأنكر الضابط ذلك واعترف بأنه أخفى شيئا في جيبه، ولكنه كان مقبض المنشة التي كان يحملها وانكسرت في الزحام.
وأشرف على التحقيق بعض الوزراء، واستمر على الإشراف عليه حسن نشأت باشا وكيل وزارة الأوقاف يومذاك، وبعد بحث طويل أحيل الجاني إلى الكشف الطبي، فقرر الدكتور «ددجن» كبير الأطباء العقليين أنه مجنون، وتقرر اعتقاله في مستشفى المجاذيب، وهو المعتدي الوحيد على الوزراء الذي صار إلى هذا المصير.
لقد تبينت شجاعة سعد منذ صباه في شدائد السجن والنفي والاضطهاد، كما تبينت شجاعته بالجهر برأيه وإمضاء عزمه، ولو تصدى لإغضاب أقوى الأقوياء ... ففي هذه الجناية تبينت منه شجاعة أخرى قد لا يتاح ظهورها كثيرا في حياة الأبطال المجاهدين بسلاح الحجة والإيمان لا بسلاح النار والحديد، وتلك هي شجاعة الرجل في وجه الموت الداهم وهو منه على يقين؛ فقد نفذت الرصاصة إلى صدره، وهو مصاب بشتى الأمراض التي لا تؤمن معها الجراح إذا نجا صاحبها من الموت بفتك الرصاص، فما وجم ولا تردد ولا فكر لحظة فيما أصابه، ولبث كأنه ينظر إلى مصاب أحد لا يعنيه، والتفت إلى الوزراء الباكين حوله يقول لهم: «لا تحزنوا، ولا تبتئسوا، إذا مات سعد فمبدأ سعد باق لا يموت، اعملوا من بعدي، وثابروا على تحقيق سعيي.»
ولما قال بعض الوزراء: إن الله أرحم بمصر من أن تصاب بسوء، عاد يقول: «وماذا في ذلك؟ نحن ميتون، فلنمت نحن وليحي الوطن.»
ونظر إلى جماهير الطلبة والشبان وهي تندفع على باب الحجرة التي نقل إليها، فوثب على قدميه وجرحه لا يزال ينزف، وناداهم بصوت جهير يضرم الحمية في النفوس: «لا تكتئبوا ولا تهتموا، إلى الأمام دائما، إلى الأمام!» ثم قالها بالفرنسية
ناپیژندل شوی مخ