سعد زغلول مشر د انقلاب
سعد زغلول زعيم الثورة
ژانرونه
فاستفاد الدستور كثيرا من حيطة الوزارة وإخلاص المخلصين، وجاء على الجملة دستورا لا بأس به في القواعد والنصوص.
لكن الملك فؤادا كان يريد الدستور على غير هذه القواعد، فيما يرجع إلى التبعة الوزارية ومصدر السلطات، ومجمل ما يريده في هذا الباب أن تكون الوزارة مسئولة بين يديه، وألا ينص في الدستور على أن الأمة مصدر السلطات جميعا. فتوترت العلاقات بين القصر والوزارة الثروتية، ولاح في الأفق أن الملك فؤادا يترقب الفرصة التي يتخلص فيها من تلك الوزارة دون أن يفتح للإنجليز باب التدخل في الموضوع، وقد سنحت هذه الفرصة بعد زمن وجيز بما نقله محمد سعيد باشا إلى الملك من حديث رواه حسن صبري «بك» المحامي عن الخديو السابق، وفحواه أن الخديو يعتبر ثروت باشا من رجاله، ولا يخشى منه أن يقيم الصعوبات في تسوية ما له من المسائل المالية ... وواجه الملك ثروت باشا بهذه الرواية، فلم يبق للرجل إلا أن يستقيل بعد قيام هذه الشبهة، ثم قضى على تردده في نية الاستقالة أنه دعي للصلاة مع الملك في الجامع الأزهر، وسمع من المصادر المختلفة أن مظاهرة كبرى ستلقاه في داخل المسجد وخارجه بما يكره من هتافات التشهير والاتهام على مسمع ومشهد من ولي الأمر والحاشية الملكية، فعجل بالاستقالة ولم يذكر فيها من أسبابها إلا أنه قال في ختامها: «وقد كنت أرجو أن أمضي مع زملائي في تنفيذ برنامجنا حتى تمامه، ولكن أرى أن أترك الأمر لغيري.»
فجاءه الأمر الملكي بقبول الاستقالة بعد نصف ساعة من رفعها، وكان ذلك في التاسع والعشرين من نوفمبر، وفي اليوم التالي قامت الوزارة النسيمية وغرضها الأول تعديل الدستور، وتوسيع حقوق الملك في التبعة الوزارية، وتعيين أعضاء مجلس الشيوخ.
أما وسيلتها إلى هذه الغاية، فهي التقرب من الوفد واسترضاؤه بما يجنح به إلى السكوت عن التعديل المقصود؛ فلا يرى الإنجليز وجها للاعتراض مع موافقة الملك والشعب على المبادئ الدستورية التي يستقر عليها القرار.
ولهذا أكثر من دعوة الوفد إلى القصر الملكي وإلى الصلاة في المساجد التي يحضرها الملك أيام الجمعة. وكتب ردا على مذكرة اللورد اللنبي التي يحتج فيها على حوادث الاعتداء السياسي قال فيه: «إن تكرارها المؤلم منذ نحو سنة يحمل على الاستنتاج أن هناك رد فعل ضد سياسة لا تراعي عواطف الأكثرية من الأهلين المراعاة الكافية، وهو رد فعل يؤسف له، كما أنه صادر عن قلة روية من قبل بعض العناصر المتهوسة غير المسئولة، كما يوجد لسوء الحظ في كل بلد. والذي يزيد في ترجيح هذا الافتراض أمر يستوقف النظر، وهو أنه في كل المدة التي يؤمل فيها الوصول إلى اتفاق ودي بين لسان حال تلك الأكثرية والحكومة البريطانية ليس فقط لم ترتكب جريمة من تلك الجرائم، بل إن العلاقات بين المصريين والإنجليز لم تكن قط أكثر ثقة وأوفر ولاء مما كانت في تلك الفترة، مع أن الأمر صار على العكس من ذلك من يوم ما أصبحت الحكومة البريطانية غير متصلة بممثلي الأكثرية المصرية بسبب المفاوضات غير الرسمية أولا، ثم بسبب تدابير العنف التي تلت قطع المفاوضات الرسمية، وأخيرا بسبب التدابير التي صاحبت الاتفاق مع أقلية لا تأثير لها حقيقة في الأمة؛ فزادت الحالة تحرجا والعواطف تألما؛ مما جعل الاتفاق المرغوب فيه أكثر صعوبة.»
بيد أن هذا التقرب إلى «الأكثرية» لم ينفع الوزارة النسيمية طويلا في تخدير الأمة وتهيئة الجو لتعديل الدستور؛ ذلك التعديل الذي يضيق من حدوده ويكاد ينقضه من أساسه، وهو الاعتراف بسلطة الأمة والتبعة الوزارية.
فقد كانت الأمة أيقظ من أن تؤخذ بهذه الأساليب، أو تستمع فيها إلى رأي أحد، وزادها يقظة وحذرا أن الوزارة لم تصنع شيئا في مسألة المنفيين والمعتقلين كما كان منتظرا منها، ولم تصنع شيئا لتمثيل مصر في مؤتمر لوزان الذي كان منعقدا للنظر في مسائل الشرق وتنقيح المعاهدات بين الحلفاء والدولة التركية صاحبة السيادة القديمة على مصر. فأذاع الوفد المصري بيانا في العشرين من يناير قال فيه: «ما زالت الوزارة ملتزمة خطة الصمت، وما زالت مصالح البلاد معطلة، فلا مثلت مصر في مؤتمر لوزان تمثيلا شعبيا، ولا ألغيت الأحكام العرفية، ولا احترم حق الأمة في أن يكون الدستور وليد إرادتها، ولا عاد الوكلاء المنفيون، ولا أطلق سراح الزعماء المسجونين، وهذا سر ما استولى على النفوس من الحيرة والقلق.» ثم قال: «والأخبار متواترة أيضا على وقوع أمور خطيرة بشأن مشروع الدستور؛ فإنهم يؤكدون أن هناك أخذا وردا بين الوزارة والإنجليز متعلقين بالنص الخاص بالسودان، وأن الوزارة قد أدخلت من جهتها تعديلا جديدا على نص المشروع يقضي بزيادة عدد الأعضاء المعينين في مجلس الشيوخ إلى النصف وتقرير مسئولية الوزارة أمامه.»
وأتبع هذا البيان بيانات أخرى في معناه.
ثم استقالت الوزارة النسيمية؛ لأن الإنجليز تخطوها ووجهوا إلى الملك إنذارا يطلبون فيه حذف النص الخاص بالسودان من الدستور والاكتفاء فيه بلقب «ملك مصر» بدلا من «ملك مصر والسودان»؛ فقبل نسيم باشا هذا الطلب واستقال بعد قبوله وتنفيذه!
وهنا يجب أن نلخص الحالة من حيث المناورات الوزارية لنفهم حقيقة الموقف الذي وقفه سعد باشا من هذه الوزارة؛ لأنه موقف في حاجة إلى التوضيح.
ناپیژندل شوی مخ