سعد زغلول مشر د انقلاب
سعد زغلول زعيم الثورة
ژانرونه
كل ما لم يقتلني يزيدني قوة.
وهذه قولة تصدق على كل رجل كبير الهمة مطبوع على الكفاح. فضربة الاعتراف بالحماية كانت ضربة نافذة، ولكنها لم تكن مميتة؛ ومن ثم كانت ضربة حافزة للعناد، مثيرة للنخوة، نافعة في توطيد النفس على بعد الشقة.
قال جورج لويد في كتابه عن مصر منذ كرومر:
لم تنفع الصدمة إلا في إقناع زغلول إقناعا جليا بأن العراك خليق أن يجري إلى مداه في الحومة المصرية. فوجه همه على الفور إلى تلك الحومة، وطفق يدير المعركة من مقامه بباريس، ويبعث إلى أتباعه بمشجعات مموهة، ولكنها أخاذة باهرة بما تحدثهم عن الأنصار الذي يستميلهم للقضية الوطنية، والنجاح الذي يصيبه رجاله.
وقد أدار سعد المعركة في باريس على أتم وجه يستطيعه وفد من الوفود الشعبية؛ فإن الوفد المصري - على اعتباره غريبا عن الأجناس الأوروبية - قد استطاع غاية ما يستطاع من نشر الدعوة إلى جانب مؤتمر الصلح. فكتب إلى المؤتمر يطلب استدعاءه لسماع أقواله؛ لأن «إلغاء السيادة التركية يقتضي حتما تغييرا في حالة مصر السياسية التي قررتها معاهدة سنة 1840، ولا يصح إجراء هذا التغيير في غيبة المصريين». واتصل الوفد بكل من تيسرت لهم مقابلته من رجال المؤتمر وأعضاء وفوده وكبار موظفيه، وأقام المآدب للساسة والكتاب والصحفيين الأوروبيين والأمريكيين ليشرح لهم الحوادث التي كانت تهملها الصحف، ويريهم صور المظاهرات التي اشترك فيها السيدات ورجال الجيش، وظهرت فيها الأعلام وعليها الصليب إلى جانب الهلال، ويذكر لهم ما استفاده الحلفاء من أموال مصر ورجالها مما كانوا يجهلونه ولا يعرفون خبرا عنه.
وأقنع الوفد بعض مشاهير الكتاب بكتابة رأيهم في قضية مصر وحقوق أبنائها، ومنهم فكتور مرجريت، وأناتول فرانس؛ فأصدر الأول رسالة في موضوع القضية المصرية، وقدمها الثاني بكلمات وجيزة على سبيل التزكية.
واجتهد الوفد في اجتناب كل عمل يتيح للمستعمرين البريطانيين أن يتهموه - كما فعلوا من قبل - بمشايعة دول الوسط، أو النزوع إلى المذاهب الفوضوية والاشتراكية، فلم يتصل بالمغفور له محمد بك فريد حين تلقى خطابه من سويسرا، لما كان معروفا من مقام فريد بك في ألمانيا وتركيا أثناء الحرب وبعدها. ولكنه اتصل بجميع المصريين المقيمين بفرنسا، ولا سيما أعضاء الجمعية المصرية في باريس، وكان لفريق من هؤلاء أثر نافع في بث الدعوة، وتعريف الفرنسيين من جميع المذاهب بالوفد ومطالبه وصعوباته.
ولا نسهب في تفصيل المقابلات والخطب والولائم واحدة واحدة؛ لأن التفصيل لا يزيد القارئ شيئا على ما هو مفهوم بالإجمال، وحسبنا أن نقول: إن الوفد لم يدع في باريس ولا في مراكز الدعوة السياسية أحدا يؤبه له إلا أبلغه مظلمة مصر، وأوجز له الحالة التي مرت بالقارئ في صفحات هذا الكتاب.
وقد كان المصريون في لندن - ومعظمهم من الطلاب - يعاونون الوفد كما عاونه زملاؤهم في العاصمة الفرنسية؛ فطبعوا الألوف من الرسائل، وقابلوا النواب، واستعانوا بالكتاب حتى ضاقت بهم الحكومة الإنجليزية ذرعا، فدمر الشرطة مكان اجتماعهم وصادروا الأوراق التي فيه، وظنوا أنهم قضوا عليها، وكانوا سيقضون عليها فعلا لولا أن الطلاب أخذوا بالحيطة، فأعادوا طبع الأوراق مما كان مدخرا عندهم من المحفوظات في مكان أمين.
وقد تجاهل الساسة الإنجليز في باريس شأن الوفد المصري ما وسعهم أن يتجاهلوه، ولكنهم لم يحسنوا كتمان حنقهم في بعض الأمور التي تقضي بها اللياقة، فلم يأت منهم من يرد الزيارة لسعد باشا حين ترك بطاقته للمستر لويد جورج كما ردها بعض وزراء الدول الأخرى، وتجاوزوا ذلك إلى عمل فيه من الصبيانية ما ليس يليق بكبار الرجال؛ فقد روى أحد أعضاء الوفد المصري أنهم أرسلوا مرة «مذكرة» إلى الوفد البريطاني في مؤتمر السلام، فردت إليهم ممزقة داخل غلاف وعليها عبارة قصيرة معناها: «مثل هذه الأقوال لا تستحق الرد».
ناپیژندل شوی مخ