سعد زغلول مشر د انقلاب
سعد زغلول زعيم الثورة
ژانرونه
عندما طلع الرئيس ويلسون على العالم ببشارة السلام ومبادئ الحرية والإنصاف صدقه كثيرون ورحب به كثيرون؛ لأنهم استبعدوا أن يخرج بنو الإنسان من تلك الأهوال والمآثم بغير عبرة، وأن يقدموا على تكرار المأساة الجهنمية، وهم لا يزالون يكتوون بنارها ويتلوون من آلامها.
ولم يهزأ بدعوة ويلسون من أساسها إلا طائفة من ثلاث طوائف، وهم المستعمرون الرجعيون؛ لأن الدعوة لا توافق سياستهم، ولا تحقق لهم مطامع القهر والاستغلال.
واليائسون من أخلاق بني الإنسان؛ لأنهم يهزءون بجميع المبادئ ولا يحسبون الإنسان صادقا في شيء غير المصالح القريبة والشهوات الحيوانية.
والاشتراكيون؛ لأنهم يرون أن العوامل الاقتصادية هي علة الدعوات الاجتماعية والمذاهب الأخلاقية؛ فلا فائدة من أحاديث المروءة والرحمة وتقرير المصير ما دام نظام رأس المال هو النظام القائم في المعاملات، وهو الحافز إلى الغارات والحروب والمنافسة بين المستغلين والمستعمرين.
ولم يكن سعد مستعمرا رجعيا ولا يائسا من بني الإنسان ولا اشتراكيا ولا قارئا متبعا لآراء الاشتراكيين، ولكنه كان رجلا مطبوعا على نجدة الضعيف وإغاثة المظلوم، فلا غرابة عنده في هذه العاطفة، وكان قانونيا يقدس القوانين والشرائع فلا غرابة لديه في التوسل بالتشريع وحقوق المعاهدات لفض المشاكل وإصلاح الآفات.
لذلك رحب بالدعوة الولسنية ولم يستبعد تحقيقها كما قال في خطابه بمنزل حمد الباسل باشا:
من الناس من يرون هذا المذهب السياسي الجديد أجمل من أن يتبع في هذه الحياة الدنيا: حياة المزاحمة على البقاء والمغالبة على المنافع ... نعم، مذهب جميل! ولكن تطبيقه ممكن متى جد الدكتور ويلسون في تطبيقه بحزمه المعروف. وإنه لجاد، بل أرتقي إلى أن أقول إن تطبيقه سهل متى صحت نيات أكثرية الدول التي أقرته بالإجماع؛ ذلك لأن هذا المذهب غير مخالف لما ألف الإنسان في الوصايا الدينية وقواعد الفلسفة الأخلاقية، ثم هو متفق مع الأفق الذي وصلت إليه الإنسانية في تطورها الجديد ...
وعلى هذه العقيدة كان يرجو الخير الكثير من الدعوة الولسنية، وأقل ما يحق له أن يرجوه أن لا تنقلب هذه الدعوة في إبان الصلح عونا للأقوياء على الضعفاء وعقبة في وجه المطالبين بالحقوق، فكان أول ما فكر فيه ساعة وصول الباخرة «كاليدونيا» إلى مارسيليا أن أرسل إلى الرئيس ويلسون يطلب منه الإذن في مقابلة خاصة للوفد المصري المطالب بحقوق الأمة المصرية، فلم يجئه الرد المنتظر من رسول السلام، وإنما جاءه رد لم يكن يخطر على بال متفائل ولا متشائم؛ فإن الولايات المتحدة اعترفت بالحماية البريطانية على مصر في اليوم التاسع عشر من شهر أبريل؛ أي بعد وصول الوفد المصري إلى مرسيليا بيوم واحد!
يحار الإنسان ولا يدري كيف استطاعت السياسة البريطانية أن تحمل ذلك الرسول المبشر بحقوق الضعفاء على نقض مبادئه رأسا على عقب، واستباحة الفصل في قضية لم تعرض عليه من جوانبها المختلفة، ولكن ساسة الإنجليز - على ما نظن - قد أدخلوا في روعه أن المصريين أساءوا فهم دعوته وتشجعوا بها على الثورة وتهديد الحضارة والمصالح الأجنبية، وأن كلمة منه تحقن الدماء وتعيد الأمن إلى قراره، وتصون أرواح الأوروبيين ومرافق العمران، وأن ترك مصر عرضة للتنازع عليها بين الدول قد يجر العالم إلى حرب كالحروب التي كان يتقيها ويبشر باجتنابها؛ فبقاؤها في ظل الحماية أصون للسلام وأنفى للحروب، وربما وعدوه أن ينصفوا المصريين متى ثابوا إلى السكينة واستعدوا للإصغاء إلى صوت الحكمة والنظام.
وقد اهتمت الحكومة البريطانية بنشر اعتراف الرئيس ويلسون في مصر من دار الوكالة الأمريكية، فأذاعت دار المندوب البريطاني بلاغا جاءها من همسون جاري وكيل الولايات المتحدة يقول فيه:
ناپیژندل شوی مخ