ساعتونه د کتابونو ترمنځ
ساعات بين الكتب
ژانرونه
قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم .
فإن كانت بلاغة الكتاب الكريم مرتهنة بذلك النسق الذي تصوره الأديب، فهل يناقض البلاغة في رأيه توالي الميمات الكثيرة والنون والتنوين في هذه الكلمات المتعاقبة، أو يظن الرافعي هذه الآية بدعا بين آيات الكتاب؟ وإن بحثا يوضع في تقرير بلاغة القرآن والرد على منكري إعجازه لأولى للباحث أن يتصدى له عالم قوي العارضة حاضر البرهان خبير بأساليب القياس، ولكن الرافعي يتصدى لهذا البحث وهو من أضعف الناس منطقا، وأفشلهم قياسا، وأعجزهم عن تأييد الدعوى بالحجة، وتفنيد القول بمثله، فهو يمضي مؤيدا مفندا ثم لا يطالب نفسه بدليل غير السخط إذا خالف، والتكرار والتأمين إذا وافق، وعلى الله بعد ذلك الإقناع ببركة الإلهام والإيمان، لا ببركة البيان والبرهان، خذ مثلا رده على أبي الحسين أحمد بن يحيى المعروف بابن الراوندي حيث يقول في كتابه الفريد: «إن المسلمين احتجوا لنبوة نبيهم بالقرآن الذي تحدى به النبي، فلم تقدر العرب على معارضته فيقال لهم: أخبرونا لو ادعى مدع لمن تقدم من الفلاسفة مثل دعواكم في القرآن فقال: الدليل على صدق بطليموس أو إقليدس أن إقليدس ادعى أن الخلق يعجزون عن أن يأتوا بمثل كتابه أكانت نبوته تثبت»، وكلام ابن الراوندي هذا ظاهر المغالطة؛ لأن إقليدس لم يخترع الحقائق التي أوردها في كتابه، وليس في طاقته هو نفسه أن يبتدع كتابا آخر، أو يزيد قضية واحدة على تلك القضايا، فالعجز هنا يشمله كما يشمل الآخرين، والدعوى لا تظهر فضلا له غير فضل الاهتداء والإشارة إلى الحقائق الموجودة قبله، والتي لا يد له هو في إيجادها بأي معنى من معاني الإيجاد، ولكن الرافعي يغضب على ابن الراوندي فينحى عليه بالثلب والتبكيت ويقول فيه: «لعمري إن مثل هذه الأقيسة التي يحسبها ابن الراوندي سبيلا من الحجة وبابا من البرهان، لهي في حقيقة العلم كأشد هذيان عرفه الطب قط، وإلا فأين كتاب من كتاب، وأين وضع من وضع، وأين قوم من قوم، وأين رجل من رجل؟ ولو أن الإعجاز كان في ورق القرآن وفيما يخط عليه لكان كل كتاب في الأرض ككل كتاب في الأرض، ولاطرد ذلك القياس كله على وصفه، كما يطرد القياس عينه في قولنا كل حمار يتنفس، وابن الراوندي يتنفس، فابن الراوندي يكون ماذا؟»
ذلك هو رد الرافعي على ابن الراوندي، وليس فيه كما رأيت تفنيد لحجة الرجل، ولا إقناع لمن يقف موقف الحيدة بين الطرفين، ولكن هو هذا أسلوب الرافعي في تأييد ما يؤيد، وتفنيد ما يفند، وهو هذا سلاحه الذي خيل إليه أنه جاهد به في سبيل الدين، ورد به الكفرة والملحدين! •••
لقد قرأت «إعجاز القرآن» وخرجت منه على رأي واحد: على أن الكتاب معرض يعرض به الرافعي مبلغ اجتهاده في ثقيل عبارات البدو، وتأثر أساليب السلف؛ ولهذا يحسن أن يقرأ ويقتنى، أما إنه مبحث في بيان إعجاز القرآن، ولا سيما إذا كان القارئ من غير المسلمين، فتلك نية للرافعي يثاب عليها كما يثاب الإنسان بالنيات!
كتاب سادهانا للحكيم الهندي تاجور1
سادهانا أو «تحقيق كنه الحياة» هو اسم اختاره الحكيم الهندي تاجور لمحاضراته التي ألقاها بالبنغالية على تلاميذه في مدرسة «بولير» من بلاد البنغال، وترجمها مع بعض أصحابه إلى اللغة الإنجليزية، ثم ألقى موجزا منها في جامعة هارفارد الأمريكية، وبعض المجامع الأوربية، وهذه المحاضرات على إيجازها هي خلاصة حكمة الهند، كما أدركها النساك الأقدمون، وشرحها قلم الشاعر الصوفي بأسلوبه الرائق، وخياله الورع المتخشع، وقريحته الصادقة المطمئنة، وهو يتكلم فيها عن إيمان موروث، ونظرة عصرية إلى شئون الحياة لا تتفق لنساك الهند العاكفين على العبادة، المنقطعين عن الحياة الدنيا، فهي خير ما يقرؤه المتشوف إلى فهم روح الديانة الهندية في غير تلك الأسفار المثقلة بالرموز المغلقة، والمعاني الغامضة، والأمثلة الفائرة من بقايا حكمة يوشك أن ينضب معينها، وتنزل الأوضاع والمراسم منها منزلة الحقيقة والابتكار.
قرأت هذا الكتاب أول مرة منذ خمس سنوات عند هياكل الأقصر، وأطلال معابدها الدارسة، فجمعت فيه بين حكمة البراهمة وحكمة الكهنة على بعد ما بينهما من المسافة في الباطن والتمثيل الظاهر، فتلك حكمة تقوم حقيقتها على إنكار المادة، وتجاوز الأجساد إلى ما وراءها من البواطن الروحية، والصلة الجامعة بمصدر الحياة، وهذه حكمة تقدس المادة في مظاهرها المتعددة من جماد ونبات وحيوان، وتلبس كل لمحة روحية ثوبا من الجثمان البارز الكثيف، تلك حكمة تحسب الحياة الدنيا عبثا عارضا، وسبيلا إلى حياة خالدة لا طعام فيها ولا متاع ولا رجاء غير الاتصال بأصل الوجود وسر الأسرار، وهذه حكمة تحسب الموت نفسه مجازا إلى حياة أخرى ينعم فيها المرء بطعامه ومتاعه، ويرجو فيها من متعة العيش ما كان يرجوه عالم الأجساد، ولعل هذه المسافة بين الحكمتين هي التي مثلت لي كل حكمة منهما في غايتها القصوى، وطرفها البعيد عن نقيضه المقابل له، فأظهرت لي ما فيهما معا، وخلصت بي من كليهما إلى العنصر واللباب.
ولقد سمعنا بعدها فلسفة الهند أو فلسفة تاجور من فمه، ولا تزال في الآذان نغمة من ذلك الصوت المشجي العذب، وجرس من ذلك اللفظ الواضح الرخيم، فسمعنا خلاصة ال «سادهانا» ينطق بها صاحبها بصوت كأنما هو صوت الأرواح تتكلم، أو نجى الوحي الهندي تتلقاه الأسماع من وراء المحاريب، ورجعت إلى ال «سادهانا» فقرأتها في هذه المرة كأنما أسمعها نشيدا أو أحس صداها يتجاوب بين عمدان الفراعنة وحجرات الكهان، ورأيت من ذلك كله صورة قدسية يظللها القدم وتحفها مصر والهند بخير ما فيهما من ودائع الدهور وذخائر العقول، فقضيت عندها ساعة خشوع وسلام وددت أن أشرك فيها قراء هذه الساعات.
لست أريد أن ألخص «السادهانا»؛ لأن الكتاب صلاة والصلوات لا يجوز فيها التلخيص والاقتضاب، ولست أريد أن أنقد آراءها؛ لأن هذه الآراء إن هي إلا زهرة روحية، والزهرات لا تطيب على النقد والتحليل: ولكني أدير سمع القارئ إلى نغمات من تلك الصلاة، وألقي ببصره على منظر من تلك الزهرات، وأومئ له إلى مدخل المحراب، أو ناحية الروضة وهو بعد ذلك وما يشاء من اكتفاء بما رأى أو اتجاه إلى طلب المزيد. •••
يفرق تاجور بين المدينتين اليونانية والهندية، أو بين الفلسفتين الغربية والبرهمية، بأن الأولى فلسفة نشأت وراء الجدران، والثانية فلسفة نشأت في الغابات والآجام، فلهذا قامت الحواجز بين الإنسان والطبيعة في عقيدة الغربيين، واتصلت الحدود بين الفرد والحياة الكونية الشاملة في عقيدة الهنود، ويقول تاجور: إنك تستطيع أن تنظر إلى الطريق نظرتين مختلفتين، فأما النظرة الأولى فتريك الطريق كأنها فاصل بينك وبين المقصد فأنت تحسب كل خطوة فيه ظفرا بلغته منها عنوة في وجه المقاومة والعداء، وأما النظرة الثانية فتريك الطريق كأنها وسيلتك إلى غايتك فأنت تحسبها بهذا الاعتبار جزءا من تلك الغاية ، ومبدأ لتلك النهاية، وهذه هي نظرة الهند إلى الكون والطبيعة، وتلك هي نظرة الغرب إلى كل ما وراء الأنانية المحدودة.
ناپیژندل شوی مخ