122

ساعتونه د کتابونو ترمنځ

ساعات بين الكتب

ژانرونه

وتبقى له حاجة ما بقي

في قصيدتي «ترجمة شيطان» أمثل الشيطان الذي تاب عن الإغواء وأدخل الجنة، قائما يسأل الله جل وعلا: هل نستقر وبيننا وبين الكمال غاية؟ وهل نسعد ونحن غير مستقرين؟ وما نعيم الجنة إذا كنت أرى الكمال ولا أبلغه، أو أراه ولا أطلبه؟ هل يسلب مني الشوق إلى الكمال، فأنا إذن موكوس ممسوخ؟ أو يبقى في هذا الشوق فأنا إذن مجاهد محروم؟ كلاهما لا ينتهي إلى سعادة، ونحن ها هنا في النعيم وهل نطلب النعيم إلا لنعيش فيه سعداء؟!

فمن جرى على فلسفة هذا الشيطان فسبيله أن يسأل عن هذا المنوال، ولا يظفر ببيان وخير لنا هنا - على هذه الأرض - أن نستقر على شيء فيه بعض من سعادة الاستقرار، ذلك الشيء هو أن السعادة إنما هي في السعي والطلب، أو في الأمل الذي ينتقل بنا من حال إلى حال، فأما الاستقرار التام فلا نبلغه ولا هو بمحمود إذا نحن بلغناه. وقد أنصف شوبنهور حين شبه الإنسان في الحياة بالحمار الذي يصعدون به جبال الألب، ويضعون على رأسه حديدة يعلقون فيها العلف بحيث لا يناله ولا يغيب عن نظره! فهو أبدا صاعد وهو أبدا بعيد من ذلك العلف المأمول! ولكنه يصعد ويصعد وينسى مشقة الصعود، ويتلهى عن الجوع، ويقوم بأداء ما هو مسخر فيه، وكذلك الإنسان يفتأ ينظر إلى الأمل الذي بين عينيه فيخطئه أو يصيبه، ولكنه يستعين به على الصعود في مرتقى الحياة، ويؤدي ما هو مفروض عليه وهو يحسب أنه ساع إلى طعامه، فلنستقر على هذا إذا كان لا بد من استقرار، ولنعلم إن رضينا أو غضبنا أننا ما لنا غيره من قرار.

ندع الكمال المطلق غير مأسوف عليه، فما هو إلا الفناء أو شبيه بالفناء إذا قيس إلى الإنسان، ونسأل كما يسأل الأديب صاحب الخطاب: إذا كانت الإنسانية لن تبلغ حد الكمال فإلى أي مدى ستنتهي؟ ويبدو لي أنك لن تكون على يقين من هذا كيقينك من ذاك. أو قد تكون على يقين من مستقبل بني الإنسان، ولكنك لا تحب أن تفتح عينيك على ما تراه؛ لأنك لا ترى في النهاية الخاتمة إلا الزوال المحتوم، وإلا فإلى أي حال ينتهي الإنسان على هذه الأرض إلا أن يبيد كما تبيد الخلائق أجمعون؟ ليست أسباب الحياة مؤاتية أبدا في هذه الدنيا، وليس الكوكب الذي نعيش عليه بمعصوم من الدمار، وستمضي القرون بالألوف أو بالملايين، كما نمضي غمضة العين في آباد الزمان، ثم يحين الحين، ويفنى كل من في الأرض قبل أن تفنى الأرض بقرون.

زحل أشرف الكواكب دارا

من لقاء الردى على ميعاد

ولنار المريخ من حدثان الد

هر مطف وإن علت في اتقاد

نبوءة لا تعجبنا ولا ريب، ولكن كم في الحياة التي نحياها الآن من أمور لا تعجبنا، وهي مع هذا كائنة لا يختلف فيها حيان! فنحن نحيا ونعلم أننا سنموت، ولا نكف من أجل هذا عن الحياة، وقد تسأل في سخط وريبة: ما فائدة الحياة إذن إن كان قصارى الإنسان على الأرض أن يبيد وتعفو ريحه من هذا الكوكب أبد الآبدين؟ فقل لي حماك الله كم من هذه الأمم التي عاشت وماتت وتعيش الآن وتموت يعلم فائدة ما من الحياة؟ فإن قلت إنهم يفرضون لها فائدة يعيشون لها، ويحتملونها من أجلها فاعلم علما ليس بالظن أنهم سيفرضون لها هذه الفائدة وما يشبهها ولو تحققوا فناء الإنسان، بعد كذا أو أكثر من الزمان! وأنهم قادرون على أن ينخدعوا ما داموا قادرين على أن يحيوا، فما ينخدع الشاب إلا لأنه أحيا حياة من الشيخ المتهدم، وما يخلو الشيخ من الخديعة شيئا فشيئا إلا؛ لأنه يخلو من الحياة، فستوجد لنا الحياة فائدتها المزعومة وستقنع بها أبناءها المؤمنين بها ما داموا في قيدها، ولو تحققوا الموت بعد حين. بيد أنهم لا يتحققون الموت ما دام فيهم رمق منها، ولا يزالون يتبعون الأمل ما داموا يحسون ويعقلون.

هذا ما أقدر لبني الإنسان في المستقبل البعيد، ولا يحزنني أن يكون هو المستقبل القريب، فإن كل أحد من رواد المستقبل أعظم تفاؤلا مني، وأرفق ببني الإنسان رجاء، فعزائي أن تفاؤله ليس خيرا من تشاؤمي، وأن تشاؤمي ليس شرا من تفاؤله، فيما يرجع إلى مصير بني الإنسان.

ناپیژندل شوی مخ