ساعتونه د کتابونو ترمنځ
ساعات بين الكتب
ژانرونه
على أنك هنا في مكان تلمس فيه قرب الذكر من النسيان وصلة النباهة بالهوان، كلها من معدن واحد وكلها في جيرة واحدة، فهذه فضلة الصخر التي بين يديك لا علامة عليها ولا نقش فيها ولا تنويه. ربما كان شطرها الآخر تمثالا نصبوه في بعض المعابد المصونة فحيته الوجوه زمانا بالسجود، وارتفعت له الألسنة زمانا بالدعاء، وذكرته الأقلام زمانا في صحف التاريخ واقترن ذكره زمانا بذكر العبادات والآلاء والفتوح والأنباء، أو ربما كان شطر منها ذلك التمثال المغمور في الرمال، لم يعرف له اسم ولم يبرح مقره من صفحة الخمول، وكلها بعد صخرة واحدة تلك الفضلة المنبوذة، وذلك الصنم المعبود وهذا التمثال المهجور.
وعن يمينك وعن شمالك عشرات من الحجارة المعلمة، كانت في طريق الحجاج إلى معبد إيزيس، أو الغزاة في سبيل الذود عن الوطن والطموح إلى الخلود. عبرتها الملوك والقواد فنقشوها وأفردوها بالعلامات والشيات، فانظر إليها تجد لها بروزا على لداتها وأقرانها، واستطالة على القمم الباذخة من فوقها، وفيم ذاك؟ أصلها من أصول الحجارة الصلب التي تحيط بها، وموضعها قريب منها إن لم يكن دون موضعها، وإنما عبر بها الملوك وأفردوها بالنقوش فجاءها النبل وتوارثت التنويه! وهل كان للناس في القديم من نبل وتنويه غير أن يعبرهم الملوك جادين أو لاهين، ويخلعوا عليهم شية من الشيات، أو طلسما من طلاسم الأسماء؟
وتأمل في أصنام مصر التي حج إليها الناس قديما، ويحجون إليها في هذا الزمن الحديث هل تجد صنما لم يكن في سالف عهده صخرة مطروحة بين هذه الصخور؟ قل فيها من نجم في غير هذه البقعة أو البقاع القريبة منها، فهي لو حنت إلى أصلها لعادت شظايا بددا إلى هذه التربة التي لم تكترث فراقها ولم تأسف عليها، وها قد أخذ الخلود شبعه من المنجم الغني فماذا غير فيه وماذا أحدث في نواحيه؟ لا يزال فيه متسع لكل ذكر على الأرض، وكل صنم تستدعيه العبادة والإعجاب، ولا يزال الخمول بخير لا يحس ما يسع به الذكر الحميد أو الذميم، وما تأخذه منه الشهرة بالحق أو بالباطل والبهتان. •••
دعتني هذه البقعة إليها كما تدعوني كلما نزلت بأسوان، فما تسأم هي الدعوة وما أسأم أنا التلبية، وكيف وهي تدعو الناس إليها باسم أعظم الأشياء في هذا الوجود؟ باسم الحياة تدعوهم وباسم الخلود وباسم الفناء، وليس أعظم من هذا الثالوث داعيا يجيبه السميع.
تسلك هذا الطريق فيغمرك نور شمس لا تدري كيف يكون معها الموت، ويحدق بك موات صحراء لا تدري كيف تكون معه الحياة، وفيما بين ذلك ذكريات باقيات وآثار خالدات، وحسيس أصوات خافت من عبقريات ذاهبة، طالما جاست في هذه الديار ونقبت في هذه الأحجار، وأفرغت عليها من روحها فإذا هي ملك تعرفه بسيماه أو رب تسجد له الجباه، فإذا غشيتك غاشية الحلم بين هذه العناصر والأطياف فأنت في طريقك هذا كأنك في تلك البقعة التي كان يجتازها الخضر كل خمسمائة عام، فيجد فيها البحر في موضع المدينة ويجد فيها المدينة في موضع البحر، ويراها خلاء قواء في هذه الزورة، ويراها مروجا وبساتين في الزورة التي تليها، وفي كل مرة لا يكف عن العجب وهي في كل مرة لا تكف عن التجديد، فقد كان هنا نيل لا يزال واديه مشقوقا في الهضاب ثم جف النيل وجرت الأقدام منه مجرى السفن، وكانت هنا آجام تعمرها الفيلة والأسود فلا آجام اليوم ولا أوابد، إلا قليلا من الأرانب والظباء والوعال، وفلولا من الثعالب والذئاب والضباع، وكانت هنا حصون هاجمها الفناء حتى عفى عليها أو كاد فخلفتها حصون أخرى يهاجمها الفناء ويعفى عليها أو يكاد، وكانت هنا معابد فصوامع فمساجد ثم جاء على آثارها خراب تدين له بيوت الأرباب، والناس ولا يعفى منه قديم ولا حديث، وحول ذلك الصحراء تستأثر بالبقاء الطويل لا يتبدل فيها شيء إلا أن يكون جبل صامت في موضع بركان ثائر، وغدير وشيك النضوب في موضوع كثيب من الرمال. •••
وقف بي الحمار عند «المسلة» الكبرى التي أراد بها البناة أن تكون أكبر مثيلاتها في مصر فأبت الأيام إلا أن تظل في أحضان الجبل على قيد باع من التمام، وقف هنالك لأنه تعود الوقوف على الآثار والإبطاء على معالم هذه القفار، فأرسلته وأنا أحمد له ما استطاع من الشغف بذلك التاريخ القديم، وأفاضل بينه وبين من تحفزهم إلى المكان عادة كعادته، أو من لا يحفزهم إليه شيء قط وهم على مسيرة لحظات منه! وأويت إلى كنف الجبل توقرني الذكرى الحافلة بالعبر، ويحف بي الضياء الزاخر بإشراق كإشراق الأمل، وحرارة كحرارة الهيام، وأنشد بيني وبين نفسي:
طهرت بماء سمائها أمم
وبه تطهر روحها الهند
والروح أولى أن يطهرها
نور يجف بها ويمتد
ناپیژندل شوی مخ