كان جانب واحد من وجهي عاديا، ولا يزال كذلك. وكان جسدي كله عاديا من أصابع قدمي إلى كتفي. وكان طولي واحدا وعشرين إنشا، ووزني ثمانية أرطال وخمس أونصات. رضيع ذكر متناسق الجسم، أبيض البشرة، رغم الحمرة التي شابتني بسبب رحلتي العادية التي قطعتها مؤخرا.
لم تكن وحمتي حمراء بل بنفسجية، وكانت داكنة في سنواتي الأولى وسنوات طفولتي؛ إذ بهتت إلى حد ما مع نموي، لكنها لم تتلاش تماما؛ إذ ظلت أول شيء تلاحظه في، مباشرة، أو تشعر بالصدمة حين تراها إذا أقبلت علي من الجانب الأيسر أو النظيف. تبدو كما لو أن شخصا ما ألقى علي عصير عنب أو دهن وجهي بلطخة كبيرة جدا لا تتحول إلى قطرات حتى تصل إلى رقبتي، مع أنها تحيط بأنفي تماما بعد أن تغمر إحدى جفني. «يبرز بياض تلك العين جميلا وصافيا.» كانت تلك واحدة من الجمل الحمقاء - وإن غفرتها - التي كانت تقولها أمي، آملة في أن أعجب بنفسي. لكن شيئا غريبا قد حدث؛ صدقتها تقريبا، في ظل الحماية التي كانت تحيطني بها.
بالطبع لم يستطع أبي أن يفعل أي شيء ليمنع جلبي إلى البيت. وبالطبع تسبب جلبي ووجودي في صدع شنيع بين أبي وأمي، مع أنه من الصعب علي أن أصدق أنه لم يكن بينهما دائما صدع من نوع ما، أو عدم تفاهم أو على الأقل خيبة أمل فاترة.
كان أبي ابنا لرجل غير متعلم امتلك مدبغة ثم مصنعا للقفازات. كان الرخاء يتراجع مع تقدم سنوات القرن العشرين، إلا أن المنزل الكبير ظل ملكا لهم، وكذلك بقي الطباخ والبستاني. التحق أبي بالكلية، وانضم إلى أخوية، وعاش ما كان يسمى العصر الذهبي، واشتغل في مجال التأمين حين تدهور حال مصنع القفازات. كان محبوبا في أنحاء بلدتنا كما كان في الكلية، لاعب جولف بارع، وبحار ممتاز (لم آت على ذكر أننا عشنا على منحدرات مطلة على بحيرة هورون، في البيت الفيكتوري الذي بناه جدي مواجها لغروب الشمس).
كانت ميزة أبي الأولى الحية البارزة في البيت هي قدرته على أن يكره وينفر. في الحقيقة كان هذان الفعلان يتزامنان معا في الغالب؛ ففي يومه، كان أبي يكره وينفر من طعام محدد، وطرازات معينة من السيارات وألوان محددة من الموسيقى، وأشكال محددة من آداب الحديث وأشكال معينة من الأزياء، ومسلسلات إذاعية محددة، ثم فيما بعد من الشخصيات التليفزيونية، إلى جانب تشكيلة الأعراق والطبقات التي كان من المعتاد كرهها والنفور منها (وإن لم يكن بالعمق الذي كان يكنه لها أبي على الأرجح). في الحقيقة لم تكن آراؤه تجادل خارج منزلنا، أو في بلدتنا أو مع رفاق الإبحار أو إخوته في الأخوية القديمة. أعتقد أن حميته هي التي كانت تسبب إزعاجا يمكن أن يصل إلى حد الإعجاب أيضا.
كان يقال عنه إنه يتحدث بصراحة ومباشرة ولا يجمل حديثه.
بالطبع أن يرزق بطفل مثلي كان إهانة اضطر إلى أن يواجهها كل مرة يفتح فيها باب غرفته. كان يتناول إفطاره وحده، ولم يكن يعود إلى المنزل لتناول وجبة الغذاء، فكانت أمي تتناول هذه الوجبات معي وجزءا من العشاء، والبقية منه معه. لكن أعتقد أنهما اختلفا حول هذا، فجلست معي خلال وجبتي، لكنها أكلت معه.
من الواضح أني لم أستطع المساهمة في زواج مريح.
لكن كيف التقيا؟ لم تلتحق بكلية، اضطرت إلى الاستدانة للالتحاق بمدرسة حيث كان المدرسون يتلقون تدريبا خلال اليوم الدراسي. كانت تخاف من الإبحار، خرقاء في الجولف، ولو كانت جميلة، كما قال لي بعض الناس (من الصعب أن تحكم على أمك من هذه الناحية) ما كان مظهرها ليعجب أبي؛ فقد كان يتحدث عن نساء محددات بأنهن مذهلات، أو - فيما بعد في حياته - دمى. لم تستخدم أمي ملمع شفاه، كانت صدرياتها محتشمة، وكانت تمشط شعرها في تاج محكم من الضفائر يبرز جبينها الأبيض العريض. لم تكن ملابسها تلتزم بأحدث صيحات الموضة؛ إذ كانت قبيحة وملكية نوعا؛ كانت من ذلك النوع من النساء الذي تتخيل أنه يرتدي ثوبا مرصعا باللؤلؤ الصغير مع أني لا أعتقد أنها فعلت هذا قط.
ما أحاول أن أقوله، على ما أعتقد، هو أني كنت على الأرجح ذريعة، أو لنقل نعمة؛ إذ أمددتهما بمادة جاهزة للشجار؛ مشكلة عويصة، أرجعتهما إلى اختلافاتهما الطبيعية؛ حيث كانا يشعران براحة أكبر في الحقيقة. خلال كل السنوات التي عشتها في البلدة لم أقابل شخصا مطلقا، ومن ثم يمكن أن نسلم بأنه كان هناك أزواج آخرون يعيشون حياتين منفصلتين في منزل واحد؛ رجال ونساء آخرون قبلوا بواقع أن بينهم اختلافات لا يمكن إصلاحها أبدا؛ كلمة أو فعلا لا يمكن غفرانه أبدا؛ حاجزا لا يمكن تجاوزه أبدا.
ناپیژندل شوی مخ