لم يكن من المفترض أن تخرج نينا ليلا، إلا إلى الكلية لحضور مناسبات معينة، مثل مسرحية أو حفل موسيقي أو محاضرة. كان من المفترض أن تتناول الغداء والعشاء في الكلية. رغم أني لا أعرف ما إذا كانت تفعل هذا أم لا كما قلت. كانت وجبة الإفطار عبارة عن نسكافيه وكعك محلى من اليوم السابق، أحضرته البيت من الكافيتريا. لم يحب السيد بورفيس هذا، لكنه قبله جزءا من محاكاة نينا لحياة طلاب الجامعة. ما دامت تأكل وجبة ساخنة مرة في اليوم وشطيرة وشوربة في وجبة أخرى، كان راضيا، وهذا ما كان يعتقد أنها تفعله. كانت تتفقد ما تقدمه الكافيتريا، بحيث تستطيع أن تخبره أنها تناولت النقانق أو شريحة لحم ساليسبري، والسلمون وشطيرة من سلاطة البيض. - «إذن كيف يمكن أن يعرف أنك خرجت؟»
نهضت نينا على قدميها، وهي تصدر ذلك الصوت الخاص بها الصغير الذي يعبر عن شكوى أو متعة ومشت بخفة إلى نافذة العلية.
قالت: «تعالي إلى هنا؛ وابقي خلف الستائر. أترين؟»
وقفت سيارة سوداء، ليس أمام البيت مباشرة، بل على بعد عدة بيوت قليلة. انعكست أضواء الشارع على شعر السائق الأبيض.
قالت نينا: «إنها السيدة وينر؛ سوف تظل هناك حتى منتصف الليل، أو حتى لما بعد ذلك، لا أعرف. إذا خرجت سوف تتبعني وتحوم حولي أينما ذهبت وتتبعني رجوعا.» - «ماذا لو نامت؟» - «ليست هي من تنام، ولو فعلت، وحاولت أنا فعل أي شيء، سوف تستيقظ بكل نشاط.» •••
لكي نعطي السيدة وينر بعض النشاط، كما قالت نينا، غادرنا البيت ذات مساء، واستقللنا حافلة إلى مكتبة المدينة. من نافذة الحافلة، شاهدنا السيارة السوداء الطويلة تبطئ وتتوانى مع كل توقف للحافلة، ثم تسرع وتبقى معنا. كان علينا أن نمشي بطول مربع سكني إلى المكتبة، وتجاوزتنا السيدة وينر ووقفت بعد المدخل الأمامي، وراقبتنا - كما كنا نعتقد - من مرآة الرؤية الخلفية.
أردت أن أعرف إذا كنت أستطيع استعارة نسخة من رواية «الحرف القرمزي»، التي كانت مطلوبة في مادة من موادي الدراسية. لم أستطع تحمل تكلفة شراء واحدة، وكل النسخ في مكتبة الكلية مستعارة. كما كان لدي فكرة أن أستعير كتابا لنينا؛ كتابا من النوع الذي يعرض مخططات مبسطة عن التاريخ.
اشترت نينا مراجع المواد الدراسية التي كانت تحضرها. اشترت كراسات وأقلاما - أفضل أقلام حبر في ذلك الوقت - بألوان متجانسة. الأحمر من أجل الحضارات الأمريكية في القرون الوسطى التي سبقت كولومبس، والأزرق للشعراء الرومانسيين، والأخضر للروائيين الإنجليز في العصر الفيكتوري والجورجي، والأصفر للحكايات الخيالية من بيرو إلى أندرسون. كانت تذهب إلى كل محاضرة، حيث تجلس في الصف الخلفي لأنها اعتقدت أنه المكان المناسب لها. كانت تتكلم كما لو أنها تستمتع بالمشي في مبنى الآداب مع حشد الطلاب الآخرين، وبالعثور على مقعدها وبفتح المقرر على الصفحة المحددة وبإخراج قلمها. لكن كراساتها ظلت خالية.
كانت المشكلة، كما رأيتها، هي أنها لا تملك نقاطا مرجعية تعتمد عليها؛ فهي لم تكن تعرف ماذا يعني العصر الفيكتوري أو الرومانسي أو قبل الكولومبي. زارت اليابان وباربادوس والعديد من البلاد الأوروبية، لكن لم تستطع تحديدها قط على الخريطة. لم تكن لتعرف ما إذا كانت الثورة الفرنسية اندلعت قبل أم بعد الحرب العالمية الأولى.
أتساءل من الذي اختار لها تلك المواد الدراسية. هل أحبت أسماءها؛ هل اعتقد السيد بورفيس أن بوسعها إتقانها، أم تراه اختارها سخرية، حتى تكتفي سريعا من حياة الطالبة؟
ناپیژندل شوی مخ