101

سعاده مفرطه

سعادة مفرطة

ژانرونه

لم أكن وحيدا في تلك السنوات، فبعيدا عن جمهوري كان لي أصدقاء. وكانت لدي نساء أيضا. تتخصص، بالطبع، بعض النساء في هؤلاء الرجال الذين يحسبونهن في حاجة إلى رفع معنويات، يتلهفن إلى دعمك إظهارا لسخائهن. كنت محتاطا منهن. كانت المرأة الأقرب إلي في تلك السنوات تعمل موظفة استقبال في محطة القطار؛ كانت شخصية حساسة ولطيفة، وأما وحيدة لأربعة أطفال. كان هناك شعور بيننا بأننا سنعيش معا ما إن يتولى أصغر أطفالها مسئولية نفسه، لكن الصغرى كانت ابنة، تمكنت من إنجاب طفل بدون أن تفكر في مغادرة البيت قط، وبنحو ما تضاءل أملنا وتراجعت علاقتنا الغرامية، حافظنا على التواصل بيننا عن طريق الرسائل الإلكترونية بعد أن تقاعدت وعدت إلى الإقامة في منزلي القديم. دعوتها للمجيء لزيارتي؛ فما لبثت أن فاجأتني بخبر أنها ستتزوج وتنتقل للعيش في أيرلندا، ولفرط ذهولي وانحسار مشاعرها نحوي لم أستطع أن أسألها ما إذا كان البنت والرضيع سوف يذهبان معها أم لا. •••

إن الحديقة في حالة متردية، لكني أشعر براحة أكبر هناك أكثر مما أشعر في المنزل، الذي يبدو كما هو من الخارج لكنه تبدل جذريا من الداخل؛ فقد حولت أمي غرفة المعيشة الخلفية إلى غرفة نوم، وغرفة الخزين إلى حمام كامل، وفيما بعد خفض ارتفاع الأسقف، وركبت أبواب رخيصة، ولصق ورق حائط بأشكال هندسية صارخة الألوان؛ إكراما للمستأجرين. لم تجر على الحديقة هذه التغييرات؛ أهملتها إهمالا تاما. لا تزال النباتات المعمرة القديمة تشق طريقها بين الأعشاب الضارة؛ وتحد الأوراق الجافة الأكبر التي يفوق حجم كل منها المظلة حوض نبات الرواند المعمر من ستين أو سبعين عاما، ولا يزال هناك نصف دستة من أشجار التفاح، التي تحمل بعض الثمرات المدودة المتنوعة التي لا أتذكر اسمها. تبدو البقع التي طهرتها ضئيلة، لكن أكوام الأعشاب الضارة والأغصان المقطوعة التي جمعتها تكاد تبلغ الجبال طولا. يجب نقلها، علاوة على ذلك على نفقتي الخاصة، فالبلدة لم تعد تسمح باضطرام النار في الهواء.

اعتاد بستاني أن يرعى كل هذا، كان اسمه بيت. لا أتذكر اسم عائلته. كان يسحب ساقا وراءه، ويميل رأسه دائما إلى جانب واحد. لا أعرف إذا كان تعرض لحادث أم أصابته جلطة دماغية. كان يعمل ببطء لكن بجدية، وكان معتل المزاج دائما. كانت أمي تتحدث إليه بصوت ناعم يحمل احتراما، لكنها اقترحت عليه تغييرات محددة في أحواض الزهر لم يرها جديرة كثيرا، لكنها حصلت على ما أرادت. كان يكرهني لأني كنت أركب عجلتي الثلاثية باستمرار في أماكن لا يجب أن أسير عليها، وأصنع مخابئ تحت أشجار التفاح؛ ولأنه عرف على الأرجح أني كنت أسميه «بيت» الجبان، همسا. ولا أعرف من أين حصلت على هذا النعت، هل كان من إحدى قصص الرسوم الهزلية؟

خطر على بالي توا سبب آخر لكراهيته العدائية، ومن الغريب أني لم أفكر في هذا من قبل؛ فكلانا معتل؛ ضحيتان واضحتان لبلية جسدية. قد تعتقد أن مثل هؤلاء الناس يتضامنون معا، لكن الواقع أنهم لا يفعلون ذلك في الغالب، ربما يذكر الواحد منهم الآخر بشيء ينساه من فوره.

لكني لست متأكدا من هذا. لقد هيأت أمي الأمور بحيث أبدو معظم الوقت غير مدرك إطلاقا لحالتي، ادعت أنها تعلمني في المنزل بسبب مرض في شعبي الهوائية، وضرورة أن تحميني من هجمات الجراثيم التي تحدث خلال العامين الأولين من المدرسة. لا أعرف إذا كان صدقها أحد أم لا. وأما عدوانية أبي، فكانت تكتنف منزلنا بأكمله حتى إني لا أعتقد حقا أني شعرت بأني وحدي المقصود منها.

يجب أن أقول - وإن كنت أكرر نفسي - إني أعتقد أن أمي كانت محقة فيما فعلته. كان يمكن أن أقع أسيرا للتركيز على عيب واحد بارز في، والنخز والتحزب في سن مبكرة، وما كان لي من ملتجأ. إن الأمور مختلفة الآن، والخطر على طفل مبتلى مثلي كان يمكن أن يكون من النوع الانفعالي، المضطرب، المحفوف بشفقة استعراضية، وليس من النوع الاستهزائي والانعزالي، أو هكذا يبدو لي. لقد استقت الحياة في تلك السنوات كثيرا من حيويتها ومكرها وفلكلورها، وربما تكون أمي قد علمت ذلك، من الشر الخالص.

كان هناك على الأرض التي نملكها، حتى عقدين ماضيين - وربما أكثر - مبنى آخر. عرفته على أنه حظيرة صغيرة أو سقيفة خشبية ضخمة، يخزن فيها بيت البستاني أدواته، أو نضع بها أشياء مختلفة غير مستخدمة حتى نقرر ماذا نفعل بها. هدمت بعد أن حل محل بيتر زوجان شابان مفعمان بالحيوية، أحضرا عدتهما العصرية في شاحنتهما. لاحقا، بعد أن عملا في زراعة المحاصيل التي يحتاجها السوق، لم يعد لديهما الوقت الكافي، لكنهما استطاعا أن يمدانا بأطفالهما المراهقين لجز العشب، وكانت أمي قد فقدت الاهتمام بفعل أي شيء آخر.

قالت: «أنا لم أعد أهتم، من المدهش كم هو سهل ألا تهتم بالأشياء.»

رجوعا إلى المبنى - كم ألف وأدور حول هذا الموضوع - في وقت ما، قبل أن يصبح المكان سقيفة للتخزين، كان يسكنه أناس. سكنه الزوجان بيل؛ حيث كانت الزوجة تعمل طباخة ومدبرة منزل، والزوج يعمل بستانيا وسائقا لجدي. كان جدي يملك سيارة باكارد لم يتعلم قيادتها قط. كان عصر كل من الزوجين والباكارد قد زال مع مولدي، إلا أن المكان ظل يشار إليه على أنه كوخ الزوجين بيل.

ولسنوات قليلة من طفولتي، استأجرت امرأة كانت تدعى شارون ساتلز كوخ الزوجين بيل. عاشت فيه مع ابنتها نانسي. جاءت ساتلز إلى البلدة مع زوجها - وكان طبيبا - في بداية مزاولته المهنة، وفي غضون عام أو نحو ذلك، مات جراء إصابته بتسمم في الدم. ظلت في البلدة مع ابنتها؛ إذ لم يكن معها مال، ولم يكن لها أهل - كما كان يقال. لا بد أن المقصود من هذا أنه ليس لديها أهل يمكن أن يساعدوها أو يعرضوا عليها أن يحتضنوها. وفي وقت ما، حصلت على وظيفة في مكتب التأمين الذي يملكه أبي، وجاءت لتعيش في كوخ الزوجين بيل. لست متأكدا من الوقت الذي حدث فيه كل هذا. ليس لدي ذكريات عن انتقالهما للسكن في الكوخ أو عن خلوه منهما. دهن الكوخ حينذاك بلون وردي مغبر، ولطالما اعتقدت أن هذا من اختيار السيدة ساتلز، كما لو أنها لم تستطع السكن في بيت بلون آخر.

ناپیژندل شوی مخ