بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
[رب يسر]
الْحَمد لله الْمُنْفَرد بالقدم، المتوحد بالإيجاد من الْعَدَم وصلواته على نبيه الْمُرْسل إِلَى الْعَرَب والعجم، وَآله وَصَحبه أولي الْفضل وَالْكَرم، وَبعد:
فَلَمَّا كَانَت السّنة النَّبَوِيَّة أحد أَدِلَّة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، توقف تمسك الْمُسْتَدلّ على معرفَة الْأَحَادِيث الدَّالَّة أَصَالَة عَلَيْهَا، وَلما جَاءَت على نهج الْكتاب الْعَزِيز، تشعبت على الْفَقِيه طرق علومه، واتسعت عَلَيْهِ مدارك رسومه فصنف أَئِمَّة الحَدِيث فِي كل فن مِنْهُ كتبا مُخْتَلفَة الْمذَاهب بِاعْتِبَار مصَالح الطَّالِب، ثمَّ جمع عيونها جمع من الْحفاظ فِي مُصَنف على تنوع قَصدهَا.
وَكَانَ كتاب الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ [تَقِيّ الدّين] ابْن الصّلاح
1 / 51
وَاسِطَة عقدهَا، وَقد لخصت معاقدها فِي تصنيف لطيف صنته عَن الطغيان والتطفيف، وذيلته بتناقيح فقهية، وتراجيح أصولية، وتلاويح جدلية، وحليته بالترتيب / وجليته بالتهذيب، وسميته: " رسوم التحديث فِي عُلُوم الحَدِيث ".
وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه، عَلَيْهِ توكلت، وَإِلَيْهِ أنيب.
(رسومًا صدفناها وَقد دثرت فَلم ... نجد من رباع الْقَوْم إِلَّا طلولها)
(وَغَابَتْ أسود الغاب فاستنسرت بهَا ... بغاث فَمَا يروي نداها غليلها)
1 / 52
تمهيد
الْخَبَر: كَلَام - بِنِسْبَة خارجية -: صدق إِن طابق، وَإِلَّا فكذب.
الحَدِيث النَّبَوِيّ: قَول النَّبِي مُحَمَّد ﷺ َ - بعد الْبعْثَة تشريعًا.
وَالْوَاحد مَا لَهُ مقطع حَقِيقِيّ، وسنته أَعم
1 / 53
ونقلها فرض كِفَايَة كالقرآن.
[النَّوْع الأول: معرفَة الصَّحِيح]
الصَّحِيح:
لُغَة: الصدْق.
وَاصْطِلَاحا: الْمُتَّفق: مَا نَقله الْعدْل الضَّابِط عَن مثله من أَوله إِلَى آخِره، سالما من قَادِح.
والمتواتر: مَا نَقله خَمْسَة فَأكْثر عَن علم مُسْتَند إِلَى حس.
1 / 54
والآحاد: مَا نَقله ثَلَاثَة فَأَقل (ابْن الْأَثِير) أَو اخْتَلَّ الْأَكْثَر.
والمستفيض: مَا بَينهمَا.
وَالْأول: يُفِيد الْعلم كالنبي مُحدث [وهما] . وَأول بِالْوُجُوب وَالْمجَاز.
1 / 55
ويتفاوت بِقُوَّة الشُّرُوط /.
[أصح الْأَسَانِيد]
البُخَارِيّ: الْأَصَح: مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر. فَألْحق الشَّافِعِي.
أَحْمد: الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه.
1 / 56
ابْن معِين: الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود.
ابْن أبي شيبَة: الزُّهْرِيّ عَن زين العابدين عَن أَبِيه عَن أَبِيه.
الفلاس: ابْن سِيرِين عَن عُبَيْدَة عَن عَليّ.
[تَجْرِيد الصَّحِيح]
وَأول من جرده البُخَارِيّ، وَفِيه: سَبْعَة آلَاف ومئتان [وَخَمْسَة] وَسَبْعُونَ حَدِيثا، وَبلا مُكَرر: أَرْبَعَة آلَاف.
ثمَّ مُسلم، وَفِيه: نَحْوهَا، واختص بِجمع الطّرق.
1 / 57
[التَّفْضِيل بَين الصَّحِيحَيْنِ]
وتفضيل أبي عَليّ ومغربي إِن حمل على التَّجْرِيد؛ وَإِلَّا رد. وَلم يستوعباه.
ابْن الأخرم: قل مَا يفوتهما.
1 / 58
ورد بمستدرك الْحَاكِم: وَإِن تساهل، بل مَعَ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأبي دَاوُد.
ويلتحق بهما دون أَحْمد وَإِسْحَاق وَنَحْوه.
وَيعلم بِالشّرطِ وَنَصّ أَهله.
وَرُبمَا تفَاوت لفظ الْمخْرج ك " الْجمع " بِخِلَاف الْمُخْتَصر.
[فَائِدَة الْمُسْتَخْرج]
ويفيد الْعُلُوّ، وَالزِّيَادَة، والطرق.
[مَرَاتِب الصَّحِيح]
١ - وأعلاها: مَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ ".
٢ - ثمَّ البُخَارِيّ.
٣ - ثمَّ مُسلم.
٤ - ثمَّ مَا خرج عَنْهُمَا بشرطهما.
٥ - ثمَّ عَن الأول بِشَرْطِهِ.
1 / 59
٦ - ثمَّ عَن الثَّانِي بِشَرْطِهِ.
٧ - ثمَّ / مَا لَيْسَ على وَاحِد مِنْهُمَا: صَححهُ أهل.
[حكمه]
وَحكمه: وجوب الْعَمَل بمحكمه وعامه الْمُطلق، لَا الْقطع وَلَا صدقه فِي نفس الْأَمر.
[حكم الْمُعَلق فِي الصَّحِيح]
وَمَا حذف من إِسْنَاده راو؛ إِن كَانَ بِصِيغَة الْجَزْم فَصَحِيح وَإِلَّا فَلَا. وصحيح الْإِسْنَاد لم ينص عَلَيْهِ حَافظ حكم المتقن بِصِحَّتِهِ خلافًا للمخالف.
وَحَدِيث صَحِيح أَعلَى من صَحِيح الْإِسْنَاد.
[مظان الصَّحِيح]
ويتلقى من حَافظ أَو أصل مُعْتَمد.
1 / 60
[النَّوْع الثَّانِي: معرفَة الْحسن]
الْحسن:
لُغَة: الملائم.
وَاصْطِلَاحا: مَا نَقله الْعدْل الضَّابِط عَن مثله مُتَّصِلا.
(التِّرْمِذِيّ المنوه بِهِ) مَعَ مَسْتُور (الْخطابِيّ) أَو قَاصِر حفظ لم يُنكر انْفِرَاده، وَلكُل تَابع أَو شَاهد قواه كتقوية الشَّافِعِي الْمُرْسل، والضعيف بِغَيْر الْفسق.
[من مظان الْحسن]
وَمُطلق أبي دَاوُد عَارِيا عَن مصحح ومضعف.
ومخصصه بالخارج عَن " الصَّحِيحَيْنِ " خَارج.
[معنى عبارَة حَدِيث حسن صَحِيح]
وَقَول البُخَارِيّ: حسن صَحِيح، بِاعْتِبَار سندين أَو مذهبين (ابْن
1 / 61
الصّلاح): لَعَلَّه لغَوِيّ.
أورد الْقشيرِي المتوحد، وألزم طرد الصَّحِيح والموضوع.
وَيسلم ب (أَو)، وَيفرق بالأحسن والسند؟
[حكمه]
الْحَاكِم / والخطيب: من الصَّحِيح، وَيعْمل بِهِ لَهُ، ولشبهه بِهِ لقَوْل الشَّافِعِي: " تقبل رِوَايَة المستور لَا شَهَادَته ".
[النَّوْع الثَّالِث: معرفَة الضَّعِيف]
الضَّعِيف: مَا انحط عَنْهُمَا.
1 / 62
وبلغه البستي نَحْو الْخمسين، وَطَرِيقه: أَن يَأْخُذ الصِّفَات مُنْفَرِدَة ثمَّ مركبة بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات.
وليحذر التَّدَاخُل، وأقربه: عادم صفة، وأبعده: عادم الْكل.
[أَوْهَى الْأَسَانِيد]
(أَبُو نعيم): " أَوْهَى إِسْنَاد العترة: عَمْرو.
وَالصديق: صَدَقَة.
وَعمر: أَبُو الْقَاسِم.
وَأبي هُرَيْرَة: السّري.
وَعَائِشَة: الْحَارِث.
1 / 63
وَابْن مَسْعُود: شريك.
وَأنس: دَاوُد ".
وَيَأْتِي مَا خص بقلب.
[حكمه]
وَحكمه: التَّوَقُّف إِلَى أَن يَصح أَو يحسن بالجوابر.
[الرَّابِع: معرفَة الْمسند]
الْمسند:
(الْخَطِيب): الْجُمْهُور: المنتهي إِلَى قَائِله مُتَّصِلا - غَالِبا فِي النَّبِي ﵊.
(الْحَاكِم) خَاصَّة (ابْن عبد الْبر) وَإِن انْقَطع، وَهُوَ عَام.
[الْخَامِس: معرفَة الْمُتَّصِل]
الْمُتَّصِل والموصول: مَا سلم من الْحَذف.
ومطلقه يعم الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف مُطلقًا.
[السَّادِس: معرفَة الْمَرْفُوع]
الْمَرْفُوع: الْمُضَاف إِلَى النَّبِي ﷺ َ - قولا أَو فعلا أَو تقريرًا؛ اتَّصل أَو انْفَصل / فيرادف الْمسند أَو يدخلَانِ الْمَرْفُوع دونه، فيابين
1 / 64
وَمن قابله بالمرسل: رادف الْمُتَّصِل.
[السَّابِع: معرفَة الْمَوْقُوف]
الْمَوْقُوف: وَسَماهُ المراوزة: " الْأَثر " وَهُوَ مرادف الْخَبَر. وَعم المحدثون: الْمسند إِلَى الصَّحَابِيّ من قَوْله وَفعله، ويتصل وينفصل. ويقيد للتابعي، ويقابل الْمَرْفُوع. وَلَيْسَ حجَّة على مثله، وَلَا غَيره فِي الْأَصَح.
[قَول الصَّحَابِيّ: أمرنَا، نهينَا، من السّنة .]
وَقَول الصَّحَابِيّ نَحْو: أمرنَا، أَو نهينَا أَو من السّنة: مَرْفُوع أَو كُنَّا نقُول أَو نَفْعل: مَوْقُوف.
أَو حَيَاته: مَرْفُوع خلافًا للإسماعيلي.
[تَفْسِير الصَّحَابِيّ]
وَتَفْسِيره نَحْو السَّبَب: مَرْفُوع. وَقَوْلهمْ عِنْد الصَّحَابِيّ نَحْو: ينميه: مَرْفُوع، أَو تَابِعِيّ: مُرْسل.
1 / 65
وَقَول الْمُغيرَة: " كَانَ أَصْحَاب الرَّسُول ﷺ َ - يقرعون بَابه بالأظافير ".
1 / 66
مَرْفُوع - خلافًا للْحَاكِم والخطيب وَابْن الْأَثِير وَجمع - بِاللَّفْظِ وَالْمعْنَى.
1 / 67
[الثَّامِن: معرفَة الْمَقْطُوع]
الْمَقْطُوع: وَجمعه مقاطع - وبالياء -. الْمُضَاف إِلَى التَّابِعِيّ من قَوْله وَفعله على التَّقْدِيرَيْنِ.
وَأطْلقهُ الشَّافِعِي وَالطَّبَرَانِيّ على الْمُنْقَطع. وَلَيْسَ حجَّة.
[التَّاسِع: معرفَة الْمُرْسل]
الْمُرْسل:
لُغَة: الْمُطلق.
وَاصْطِلَاحا: مَا حذف آخر سَنَده تَابِعِيّ، وَلَو صَغِير فِي الْأَصَح (الإِسْفِرَايِينِيّ) أَو صَحَابِيّ لم ينص، أَو فِيهِ مَجْهُول خلافًا للْحَاكِم.
وَلَو أرسل ضَابِط ثِقَة أَو وقف ثمَّ رَفعه أَو وَصله أَو مثله، فَالصَّحِيح
1 / 68
تَقْدِيم المكمل لنَصّ البُخَارِيّ، الْأَكْثَر: الآخر أَو الْأَكْثَر أَو الأحفظ فَلَا يقْدَح فِي المكمل فِي الْأَظْهر.
[إرْسَال ابْن الْمسيب وَعَطَاء وَنَحْوهمَا]
وشاع عَن ابْن الْمسيب - الْأَصَح - وَعَطَاء، وَمَكْحُول، وَالْحسن وَالنَّخَعِيّ.
[إِطْلَاقه على مَا سقط مِنْهُ اثْنَان]
وَأطْلقهُ الْخَطِيب وَالْفُقَهَاء والأصوليون على الِاثْنَيْنِ مُقَيّدا.
1 / 69
[حجيته]
وَهُوَ صَحِيح عِنْد مَالك أبي حنيفَة وصاحبيه، ضَعِيف عِنْد مُسلم وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَالزهْرِيّ وَأكْثر الْمُحدثين.
وَمِنْهُم من قبله من الصَّحَابِيّ إِلَّا أَن يقوى بِإِثْبَات أَو تعْيين أَو بِإِسْنَاد أَو بإرسال آخر، فَيصح.
[حكم مَرَاسِيل ابْن الْمسيب]
وَقَول الْقفال: " قَالَ الشَّافِعِي: مُرْسل ابْن الْمسيب عندنَا حجَّة " مَخْصُوص بِهَذَا.
وَقَوله فِي " مُخْتَصر الْمُزنِيّ ": " حسن "، قَالَ " الْمُهَذّب " وَغَيره: " مَعْنَاهُ وجد مُسْندًا "، أَو أصح.
(الْخَطِيب) ذَا أصح لتخلفه فِي بَعْضهَا، وَمن ثمَّ تَركه وَعمل بِبَعْض غَيره.
1 / 70