كان الناس أحرارا في ظل القوانين فصاروا يرون الحرية في مخالفة القوانين، وأصبحوا يسمون ما هو حكمة سخافة وما هو مبدأ عسرا، وكان ما يدخل بيت المال يجمع من الأفراد فأصبح بيت المال ملكا للأفراد، فالجمهورية إذن ليست سوى هيئة مستمدة قوتها من قوة بعض الناس.
يظهر في الحكومة الشعبية - أي الجمهورية - جبابرة صغار فيهم ما في الجبار الكبير من النقائض، ومتى أصبح أمرهم لا يطاق قبض على زمام الحكم جبار واحد فخسر الشعب كل شيء.
لذلك وجب اجتناب ما تجر إليه الديموقراطية من المغالاة في المساواة المؤدية إلى الحكم المطلق فإلى غزو الأجنبي للبلاد.
والحكومة الإنكليزية الدستورية المانعة للملكية من التحول إلى حكومة مستبدة هي مثل مونتسكيو الأعلى، غير أن تأثير هذا الفيلسوف في الثورة الفرنسية كان ضعيفا جدا.
وأما واضعو دائرة المعارف فلم يمارسوا السياسة قط، وربما استثنينا منهم أولباك الذي كان، مثل ڤولتير وديدرو، ملكيا متمذهبا بمذهب الحرية، فهؤلاء الثلاثة الذين كانوا يدافعون عن الحرية الشخصية على الخصوص ويقاتلون عدوة الفلاسفة، الكنيسة، لم يكونوا اشتراكيين أو ديموقراطيين، ولهذا السبب لم تنتفع الثورة الفرنسية بشيء من مبادئهم.
كان ڤولتير قليل التشيع للديموقراطية، فقد قال:
أرى الديموقراطية لا تلائم إلا بلادا صغيرة، فالبلاد الصغيرة التي تتمتع بالحكم الديموقراطي - وإن وقع فيها كثير من الزلات، كما في أديار الرهبان - لا تقع فيها ملاحم كملحمة سان بارتلمي، ولا مذابح كمذابح إيرلندة وصقلية ومحكمة التفتيش، ولا يحكم فيها بالأشغال الشاقة على من يغترف من البحر ماء لا يؤدي ثمنه، وتكون تلك الجمهورية غير ذلك إذا تألفت من الشياطين في ناحية كبيرة من نواحي الجحيم.
إذن، كانت أفكار هؤلاء الذين ظن أنهم هيأوا الثورة الفرنسية قليلة الهدم، ومن الصعب أن يعزى إليهم تأثير كبير في سيرها.
ويمكننا أن نشك في ميول روسو الديموقراطية، فهو يرى أن خططه في تجديد المجتمع على أساس السيادة الشعبية لا تلائم غير عدد قليل من البلدان، وعندما طلب منه البولونيون أن يرسم لهم دستورا ديموقراطيا نصحهم بأن ينتخبوا ملكا وراثيا.
وأكثر نظريات روسو انتشارا هي نظريته التي فصلها في كتاب العقد الاجتماعي وادعى فيها - مع كثير من رجال عصره - أن الرجل الفطري كان كاملا لم تفسده المجتمعات، وأن المجتمعات إذا تغيرت، بما يسن من القوانين، عادت سعادة الأجيال الأولى، وأن الناس كلهم متماثلون في كل زمان ومكان، وأنه يجب أن تسن قوانين واحدة وأنظمة واحدة، ويظهر أن اعتقاد الناس في ذلك الحين كان كاعتقاد روسو، فاسمع ما قاله هلفيسيوس: «تشتق فضائل الأمة ونقائصها من قوانينها، وهل يشك في أن الفضيلة عند الأمم جميعها هي نتيجة حكمة القابضين على زمام الأمور؟» (3) مبادئ الطبقة الوسطى الفلسفية أيام الثورة الفرنسية
ناپیژندل شوی مخ