فنفي السّمع عَمَّن فِي الْقُبُور وَهِي الاجساد بِلَا شكّ وَلَا يشك مُسلم أَن الَّذِي نفي الله ﷿ عَنهُ السّمع هُوَ غير الَّذِي أثبت لَهُ رَسُول الله قَالَ وَلم يَأْتِ قطّ عَن رَسُول الله فِي خبر صَحِيح أَن أَرْوَاح الْمَوْتَى ترد إِلَى أَجْسَادهم عِنْد المساءلة وَلَو صَحَّ ذَلِك عَنهُ لقلنا بِهِ قَالَ وَإِنَّمَا تفرد بِهَذِهِ الزِّيَادَة من رد الْأَرْوَاح فِي الْقُبُور إِلَى الأجساد الْمنْهَال بن عَمْرو وَحده وَلَيْسَ بالقوى تَركه شُعْبَة وَغَيره وَقَالَ فِيهِ الْمُغيرَة بن مقسم الضبى وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة مَا جَازَت للمنهال بن عَمْرو قطّ شَهَادَة فِي الْإِسْلَام على مَا قد نقل وَسَائِر الْأَخْبَار الثَّابِتَة على خلاف ذَلِك
قَالَ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَا هُوَ الَّذِي صَحَّ أَيْضا عَن الصَّحَابَة
ثمَّ ذكر من طَرِيق بن عُيَيْنَة عَن مَنْصُور بن صَفِيَّة عَن أمه صَفِيَّة بنت شيبَة قَالَت دخل ابْن عمر الْمَسْجِد فأبصر ابْن الزبير مطروحا قبل أَن يقبر فَقيل لَهُ هَذِه أَسمَاء بنت أَبى بكر الصّديق فَمَال ابْن عمر إِلَيْهَا فعزاها وَقَالَ ان هَذِه الجثث لَيست بِشَيْء وان الْأَرْوَاح عِنْد الله فَقَالَت أمه وَمَا يمنعنى وَقد أهْدى رَأس يحيى بن زَكَرِيَّا إِلَى بغى من بَغَايَا بنى اسرائيل
قلت مَا ذكره أَبُو مُحَمَّد فِيهِ حق وباطل أما قَوْله من ظن أَن الْمَيِّت يحيا فِي قَبره فخطأ فَهَذَا فِيهِ إِجْمَال أَن أَرَادَ بِهِ الْحَيَاة الْمَعْهُودَة فِي الدُّنْيَا الَّتِي تقوم فِيهَا الرّوح بِالْبدنِ وتدبره وتصرفه وتحتاج مَعهَا إِلَى الطَّعَام وَالشرَاب واللباس فَهَذَا خطأ كَمَا قَالَ والحس وَالْعقل يكذبهُ كَمَا يكذبهُ النَّص
وَإِن أَرَادَ بِهِ حَيَاة أُخْرَى غير هَذِه الْحَيَاة بل تُعَاد إِلَيْهِ إِعَادَة غير الْإِعَادَة المألوفة فِي الدُّنْيَا ليسأل ويمتحن فِي قَبره فَهَذَا حق ونفيه خطأ وَقد دلّ عَلَيْهِ النَّص الصَّحِيح الصَّرِيح وَهُوَ قَوْله فتعاد روحه فِي جسده وَسَنذكر الْجَواب عَن تَضْعِيفه للْحَدِيث إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما استدلاله بقوله تَعَالَى ﴿قَالُوا رَبنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ﴾ فَلَا يَنْفِي ثُبُوت هَذِه الْإِعَادَة الْعَارِضَة للروح فِي الْجَسَد كَمَا أَن قَتِيل بني إِسْرَائِيل الَّذِي أَحْيَاهُ الله بعد قَتله ثمَّ أَمَاتَهُ لم تكن تِلْكَ الْحَيَاة الْعَارِضَة لَهُ للمساءلة معتدا بهَا فَإِنَّهُ يحيى لَحْظَة بِحَيْثُ قَالَ فلَان قتلنى ثمَّ خر مَيتا على أَن قَوْله ثمَّ تُعَاد روحه فِي جسده لَا يدل على حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَإِنَّمَا يدل على إِعَادَة لَهَا إِلَى الْبدن وَتعلق بِهِ وَالروح لم تزل مُتَعَلقَة ببدنها وَإِن بلَى وتمزق
وسر ذَلِك أَن الرّوح لَهَا بِالْبدنِ خَمْسَة أَنْوَاع من التَّعَلُّق مُتَغَايِرَة الْأَحْكَام
أَحدهَا تعلقهَا بِهِ فِي بطن الْأُم جَنِينا
الثَّانِي تعلقهَا بِهِ بعد خُرُوجه إِلَى وَجه الأَرْض
1 / 43