فَإِن قيل فَكيف تَصْنَعُونَ بقوله فِي الحَدِيث إِن النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أول من تَنْشَق عَلَيْهِ الأَرْض فأجد مُوسَى باطشا بقائمة الْعَرْش قيل لَا ريب أَن هَذَا اللَّفْظ قد ورد هَكَذَا وَمِنْه نَشأ الاشكال وَلكنه دخل فِيهِ على الرواى حَدِيث فِي حَدِيث فَركب بَين اللَّفْظَيْنِ فجَاء هَذَا وَالْحَدِيثَانِ هَكَذَا
أَحدهمَا ان النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أول من يفِيق
وَالثَّانِي هَكَذَا أَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة فَفِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث ابى سعيد الخدرى قَالَ قَالَ رَسُول الله أَنا سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر وبيدى لِوَاء الْحَمد وَلَا فَخر وَمَا من نَبِي يَوْمئِذٍ آدم فَمن سواهُ إِلَّا تَحت لِوَائِي وَأَنا أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض وَلَا فَخر قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح
فَدخل على الراوى هَذَا الحَدِيث فِي الحَدِيث الآخر وَكَانَ شَيخنَا أَبُو الْحجَّاج الْحَافِظ يَقُول ذَلِك
فَإِن قيل فَمَا تَصْنَعُونَ بقوله فَلَا أدرى أَفَاق قبلى أم كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله ﷿ وَالَّذين استثناهم الله إِنَّمَا هم مستثنون من صعقة النفخة لَا من صعقة يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله وَلم يَقع الِاسْتِثْنَاء من صعقة الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة قيل هَذَا وَالله أعلم غير مَحْفُوظ وَهُوَ وهم من بعض الروَاة وَالْمَحْفُوظ مَا تواطأت الرِّوَايَات الصَّحِيحَة من قَوْله فَلَا أدرى أَفَاق قبلى أم جوزى بصعقة الطّور فَظن بعض الروَاة ان هَذِه الصعقة هِيَ صعقة النفخة وَأَن مُوسَى دَاخل فِيمَن اسْتثْنى مِنْهَا وَهَذَا لَا يلتئم على مساق الحَدِيث قطعا فَإِن الْإِفَاقَة حِينَئِذٍ هِيَ إفاقة الْبَحْث فَكيف يَقُول لَا أدرى أبْعث قبلى أم جوزى بصعقة الطّور فَتَأَمّله وَهَذَا بِخِلَاف الصعقة الَّتِي يصعقها الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة إِذا جَاءَ الله سُبْحَانَهُ لفصل الْقَضَاء بَين الْعباد وتجلى لَهُم فَإِنَّهُم يصعقون جَمِيعًا وَأما مُوسَى فَإِن كَانَ لم يصعق مَعَهم فَيكون قد حُوسِبَ بصعقته يَوْم تجلى ربه للجبل فَجعله دكا فَجعلت صعقة هَذَا التجلى عوضا من صعقة الْخَلَائق لتجلى الرب يَوْم الْقِيَامَة فَتَأمل هَذَا الْمَعْنى الْعَظِيم وَلَو لم يكن فِي الْجَواب إِلَّا كشف هَذَا الحَدِيث وشأنه لَكَانَ حَقِيقا ان يعَض عَلَيْهِ بالنواجذ وَللَّه الْحَمد والْمنَّة وَبِه التَّوْفِيق
1 / 37