المرئى يقظان روحه لم تفارق جسده فَكيف الْتَقت روحاهما قيل هَذَا إِمَّا أَن يكون مثلا مَضْرُوبا ضربه ملك الرُّؤْيَا للنائم أَو يكون حَدِيث نفس من الرائى تجرد لَهُ فِي مَنَامه كَمَا قَالَ حبيب بن أَوْس
سقيا لطيفك من زور أَتَاك بِهِ ... حَدِيث نَفسك عَنهُ وَهُوَ مَشْغُول
وَقد تتناسب الروحان وتشتد علاقَة احداهما بِالْأُخْرَى فيشعر كل مِنْهُمَا بِبَعْض مَا يحدث لصَاحبه وَإِن لم يشْعر بِمَا يحدث لغيره لشدَّة العلاقة بَينهمَا وَقد شَاهد النَّاس من ذَلِك عجائب
وَالْمَقْصُود أَن أَرْوَاح الْأَحْيَاء تتلاقى فِي النّوم كَمَا تتلاقى أَرْوَاح الْأَحْيَاء والأموات قَالَ بعض السّلف أَن الْأَرْوَاح تتلاقى فِي الْهَوَاء فتتعارف أَو تتذاكر فيأتيها ملك الرُّؤْيَا بِمَا هُوَ لاقيها من خير أَو شَرّ قَالَ وَقد وكل الله بالرؤيا الصادقة ملكا علمه وألهمه معرفَة كل نفس بِعَينهَا وَاسْمهَا ومتقلبها فِي دينهَا ودنياها وطبعها ومعارفها لَا يشْتَبه عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء وَلَا يغلط فِيهَا فَتَأْتِيه نُسْخَة من علم غيب الله من أم الْكتاب بِمَا هُوَ مُصِيب لهَذَا الْإِنْسَان من خير وَشر فِي دينه ودنياه وَيضْرب لَهُ فِيهَا الْأَمْثَال والأشكال على قدر عَادَته فَتَارَة يبشره بِخَير قدمه أَو يقدمهُ وينذره من مَعْصِيّة ارتكبها أَو هم بهَا ويحذره من مَكْرُوه انْعَقَدت أَسبَابه ليعارض تِلْكَ الْأَسْبَاب بِأَسْبَاب تدفعها ولغير ذَلِك من الحكم والمصالح الَّتِي جعلهَا الله فِي الرُّؤْيَا نعْمَة مِنْهُ وَرَحْمَة وإحسانا وتذكيرا وتعريفا وَجعل أحد طرق ذَلِك تلاقى الْأَرْوَاح وتذاكرها وتعارفها وَكم مِمَّن كَانَت تَوْبَته وصلاحه وزهده واقباله على الْآخِرَة عَن مَنَام رَآهُ أَو رئى لَهُ وَكم مِمَّن اسْتغنى وَأصَاب كنزا دَفِينا عَن مَنَام
وَفِي كتاب المجالسة لأبى بكر أَحْمد بن مَرْوَان المالكى عَن ابْن قُتَيْبَة عَن أَبى حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَمَّن حَدثهُ قَالَ خرجنَا مرّة فِي سفر وَكُنَّا ثَلَاثَة نفر فَنَامَ أَحَدنَا فَرَأَيْنَا مثل الْمِصْبَاح خرج من أَنَفَة فَدخل غارا قَرِيبا مِنْهُ ثمَّ رَجَعَ فَدخل أَنفه فأستيقظ يمسح وَجهه وَقَالَ رَأَيْت عجبا رَأَيْت فِي هَذَا الْغَار كَذَا وَكَذَا فدخلناه فَوَجَدنَا فِيهِ بَقِيَّة من كنز كَانَ
وَهَذَا عبد الْمطلب دلّ فِي النّوم على زَمْزَم وَأصَاب الْكَنْز الذى كَانَ هُنَاكَ
وَهَذَا عُمَيْر بن وهب أَتَى فِي مَنَامه فَقيل لَهُ قُم إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا من الْبَيْت فأحفره تَجِد مَال أَبِيك وَكَانَ أَبوهُ قد دفن مَالا وَمَات وَلم يوص بِهِ فَقَامَ عُمَيْر من نَومه فأحتفر حَيْثُ أمره فَأصَاب عشرَة آلَاف دِرْهَم وتبرا كثيرا فَقضى دينه وَحسن حَاله وَحَال أهل بَيته وَكَانَ ذَلِك عقب إِسْلَامه فَقَالَت لَهُ الصُّغْرَى من بَنَاته يَا أَبَت رَبنَا هَذَا الَّذِي حيانا بِدِينِهِ خير من هُبل والعزى وَلَوْلَا أَنه كَذَلِك مَا ورثك هَذَا المَال وَإِنَّمَا عبدته أَيَّامًا قَلَائِل
1 / 32