وكان اتفاقه مع روكامبول أن يقابله في سانت مالو، فلما بلغ إليها وجده ينتظره في المكان المعين، فسر به أندريا وأثنى عليه، فقال له روكامبول: أتعلم من أين أنا آت؟ - ألست قادما من باريس؟ - كلا، بل أتيت من دار الأبدية.
فضحك أندريا وقال: لا أظنك أتيت، إذ لا أجد في وجهك أثرا من آثار الأبالسة. - ربما كان ذلك لأني لقيتك، فأزالت بركات قدسك من وجهي تلك الآثار، ولكني ما أتيت إلا من قعر نهر المارن. - ألعلك غرقت فيه؟ - لا بل أغرقوني.
ثم قص عليه جميع ما جرى له بالتفصيل، فاصفر وجه أندريا إلى أن أخبره بما علمه من العجوز عن قتل الكونت أرتوف، فطاب خاطره ولم يعد يخشى لقاءه مع جون إيرد، فقال له: يجب السرعة الآن، فإذا كان الكونت قد قتل فإن جون إيرد سيقضي على باكارا، فلا يبقى علينا غير قتل أرمان.
ثم جعل يعلمه كيف يصل إلى امرأته حنة، فدله على المنزل وأرشده إلى مدخل الغرفة التي تقيم عادة فيها، وهي غرفة مجاورة لغرفة يشتغل فيها زوجها، بحيث لو نادته بأخفض صوت لسمع نداءها، وقال: إذا احتجت إلى أن تكلمها فكلمها كما كلمتها المرة السابقة، ولكنك لا تحتاج إلى الكلام، فإنها ستصيح حين تراك فيسرع إليك زوجها، وهو رجل شريف ويثق بأنك شريف أيضا، فيبارزك وتطعنه بالسيف تلك الطعنة الإيطالية التي تعلمتها. فاذهب الآن على بركات الأبالسة. - إني لا آمن أن يقبض علي خدام الكونت حين يرون أني قتلت سيدهم ويسلمونني للشرطة. - وماذا عليك منهم، فإنك قتلت خصمك بالمبارزة وهي غير ممنوعة. - وماذا أصنع بعد قتله؟ - إنك تذهب إلى سانت مالو حيث توافيني فيها. - أين؟ - في سفينة الربان الإنكليزي، إذ لا بد لي من وداع باكارا.
ثم أطلعه على رسالة وردت إليه من الهافر من جون إيرد يخبره فيها بالفوز، وأنه سيسافر بباكارا إلى جزائر المركيز.
وافترق الاثنان، فذهب أندريا إلى سانت مالو، وذهب روكامبول إلى قصر كارلوفان.
وكان الظلام قد خيم والخدم في القصر يتأهبون لإعداد العشاء، وحنة جالسة في غرفتها تتلهى بالتطريز وتنتظر قدوم زوجها إليها كي يذهب بها إلى المائدة، وبينما هي على هذه الحال إذ طرق باب غرفتها، فحسبت أن الطارق أرمان وقالت له: ادخل.
ولما فتح الباب ورأت أن الداخل لم يكن زوجها بل كان المركيز، صاحت صيحة ذعر وصرخت تقول: إلي يا أرمان!
فركع روكامبول أمامها وقال لها: لماذا تخافي أيتها الحبيبة وأنا موقف حياتي في سبيل رضاك؟
ولكن لم يكد يتم حديثه حتى انقض عليه رجل انقضاض الصاعقة، وهو يزبد من الغضب إزباد الجمال، وكان هذا الرجل أرمان.
ناپیژندل شوی مخ