فاضطرب روكامبول وقال: أي شبه تعنين؟
فلم تجبه ولكنها جعلت تحدق به هنيهة وقالت: لولا لحيتك وشعرك الأسود ... ثم توقفت عن الكلام وعادت إلى التحديق به.
فسئم روكامبول وقال: أي شبه تعنين يا سيدتي؟ - إنك على سمرة وجهك وسواد شعرك تشبه شبها عجيبا رجلا أبيض البشرة أشقر الشعر.
فزاد اضطراب روكامبول وقال: من هو هذا الرجل؟ - رجل أسوجي يدعى الكونت دي كامبول.
فقال دون اكتراث: إني لا أعرفه. - إنه برح باريس منذ ثلاثة أسابيع، وقد ظهر أنه كان من الأشقياء، وأن له حديثا غريبا تعرفه خادمتي، ولكنه كان متصلا شروره وآثامه بكثير من الأسرات النبيلة، فقد كان يزور قصر المركيز فان هوب.
وكانت هذه المرأة تقص عليه هذه الأقوال كأنها تقولها اتفاقا، غير أن روكامبول شغل باله لحديثها وقال في نفسه: ما عساها تريد من هذا الحديث؟ فعادت المرأة إلى حديثها وقالت: وقد أصيب هذا الكونت بضربة خنجر كادت تودي بحياته قبل احتجابه، وقد كانت الطعنة هنا في هذا المكان من الصدر، وأشارت بيدها إلى أثر الجرح في صدره.
فأجفل روكامبول وقال: لماذا تقصين علي سيرة هذا الرجل؟ - لأنه يشبهك. - كيف يشبهني إذا كان أبيض اللون وأنا أسمره، وإذا كان شعره أشقر كما تقولين وشعري حالك السواد؟ - لكن خادمتي تقول غير ذلك وسترى!
ثم قرعت بجرس أمامها ففتح الباب ودخلت منه باكارا المتنكرة بزي الخادمات، فدنت منه وقالت له بلهجة الساخر: على الكونت دي كامبول السلام.
فوجف فؤاد روكامبول لأنه علم أنها باكارا وقال في نفسه: لقد وقعت في الشرك. ولكنه اطمأن حين افتكر أنه مسلح، وأنه لا يرى أمامه إلا امرأتين، غير أن هذا الاطمئنان لم يطل فإنه بينما كان ينظر منذعرا إلى باكارا رأى أن بابا آخر قد فتح، ودخل منه الكونت أرتوف الروسي وهو حامل بيديه غدارتين، فعلم روكامبول أنه لم يعد له نجاة من قبضة باكارا، ولكنه قال في نفسه: إذا قتلت فسينتقم لي فانتير بقتل الكونت، وينتقم لي أندريا بإرسال باكارا إلى القبائل المتوحشة. فكان ذلك أكبر عزاء له في الساعة الهائلة.
وكان روكامبول ثابت العزيمة شديد الجرأة، إذ أصر على إنكار أمره، فلم يحفل بالوعيد ولو رأى الموت نصب عينيه، غير أنه كان وافر الحكمة شديد الدهاء، فقال في نفسه بسرعة التصور: إنه لم يعد لي سبيل إلى إنكار نفسي بعد أن عرفوني، ولا أرى سبيلا للنجاة إلا بالإقرار، فأنا أعترف لهما بكل شيء دون حديث قتل الكونت وإرسال باكارا على سفينة جون إيرد؛ إذ لا يعلمان شيئا من ذلك، إذا قتل الكونت وسافرت باكارا، فلا يخشى شيء من إقراري. وعند ذلك دار بينهم الحديث الآتي، فقالت باكارا: كفاك يا حضرة الكونت تنكرا فقد عرفناك، وأجبنا على ما نسألك عنه إذ لا فائدة من ضياع الوقت. - ليكن ما تريدين، فسلي ما تريدين. - أتذكر أن آخر مرة تشرفنا فيها بلقائك كانت في منزل دابي ناتها الهندية؟ - أذكر ذلك ولا أنساه، فإني كنت عشيق تلك الهندية وقد لقيتها ميتة، وأصبت بطعنة خنجر. - كذبت، فإنك لم تكن عشيق تلك الفتاة ولم تكن عشيقتك. - كيف تعرفين ذلك؟ - أعرفه كما أعرف أنك لست بابن تلك العجوز التي أخرجتك من المستشفى. - ذلك أكيد. - ولست أيضا الكونت دي كامبل، فإن الأشراف لا يغيرون أسماءهم ويشتركون مع اللصوص، ولا ينخرطون في سلك تلك العصابة السرية التي كان يرأسها السير فيليام. - إذا كنت تعرفين ذلك فماذا تريدين أن تعرفي مني؟ - ستعرف ما أريده منك، ولكن عليك أن تعلم قبل كل شيء أنك في قبضة يدنا، وأن هذا المنزل معتزل عن الناس، وأن الليل قد انتصف، فإذا استغثت فلا يجيبك إلا الصدى. - إذن فأنتم تريدون قتلي. - ربما قتلناك إذا امتنعت عن الإقرار. - بماذا ينبغي أن أقر؟ - بحقيقة ما تعلمه عن السير فيليام، فإذا سلمتنا هذا الرجل فقد نعفو عنك؛ إذ إن حبل حياتك معقود بإقرارك. - ماذا تريدين أن أقول عن الفيكونت أندريا الذي تدعونه السير فيليام، فإن طعنه إياي بالخنجر أعظم برهان على أني ليس لي أقل اتصال به.
ناپیژندل شوی مخ