فارتاعت سريز وقالت: لقد شغلت بالي، بأي الشئون تريد محادثتي؟ - لا تخافي، فليس ما يحمل على الكدر، وأول ما أبدأ به هو أني عزمت أن أذهب غدا مع أمي إلى بلفيل، وسأكون من أسعد الناس حظا إذا قبلت دعوتنا وذهبت معنا. - أراضية أمك بذلك؟ - ذلك لا ريب فيه؛ لأنها تعلم أنك ستصيرين امرأتي بعد حين.
فأرخت سريز نظرها من الحياء، وجعلت تنكت الأرض بمظلتها، ثم نظرت إليه وقالت: أهذا المهم الذي تريد أن تحادثني فيه؟ - كلا، فإن هذه الحكاية قد جعلتها مقدمة لحديثي؛ لما أجد بها من السرور، وأية ساعة أشهى إلي من أن أكون وإياك في منتزه واحد. أما الذي أريد أن أقوله لك، فهو أنك تعلمين ما وعدني به صاحب المعمل من أنه سيجعلني رئيسا عليه بعد شهرين.
فتنهدت سريز وقالت: نعم. - والآن فإنه غير أفكاره. - ماذا أرجعه عن ترئيسك؟ - كلا، فإني عينت اليوم. - كيف ذلك؟ - ذلك أن الرئيس الذي خلفته في منصبه قد انتهى إليه إرث من قريب له توفي منذ يومين، فاضطر إلى السفر والتنحي عن الأشغال، ولكونه من مواطني فقد رجوته أن ينوب عني في بيع أرضي التي كان في نيتي أن أسافر لبيعها. - إذن قد رجعت عن السفر أيضا؟ - نعم، وبعد ثمانية أيام يصل إلي ثمن تلك الأرض، وبعد ذلك بخمسة عشر يوما نقدر أن نتزوج.
فظهرت على ملامح سريز علائم السرور، وعبق خداها بحمرة الخجل، ثم قالت: إن هذا الأجل قريب جدا. - وأنا أراه شديد البعد أيتها الحبيبة.
ثم ضغط بيديه على يدها، ونظر إليها نظرة توسل واستعطاف باحت بمكنونات فؤاده، واستوقفت بعض المارة.
فودعته بلطف وحنو، وأفلتت منه وهي تقول: إلى الغد وسنرى.
ولم يزل واقفا يشيعها إلى أن توارت عن عينيه في شارع سانت مارتين.
وفيما هي تمشي سمعت صوتا يناديها باسمها، فالتفتت ورأت شابا بالقرب منها رفع قبعته وحياها باحتشام، فدنت منه وسلمت عليه.
وكان هذا الرجل من أصدقاء خطيبها يدعى كينيون، وهو شاب في الثلاثين من عمره هزيل الجسم قبيح المنظر، ولكنه كان رقيق الحاسة، لطيف الشعور، طيب النفس.
وكان سيء البخت نكد الطالع، وقد عرف ذلك من دهره فأدار له ظهر المجن، ولم يعبأ بصروفه، وكان على الدوام باسم الثغر، طلق الوجه، شديد المزاح، كثير الميل إلى خدمة معارفه، وعلى الجملة لم يكن له في باريس بغيض.
ناپیژندل شوی مخ