قرأته المركيزة وكانت تظهر ملامح التأثر بين وجهها حين تلاوته، فلما أتمت قراءته قالت: ليكن ما تريدين وسأذهب غدا إلى لقائه في منزلك. فقبلتها الأرملة شاكرة وأقامت عندها هنيهة ثم انصرفت، فلقيها روكامبول وأخبرته أن المركيزة ستحضر في الأجل المضروب.
وفي اليوم الثاني وردت رسالة الهندية إلى المركيز، وهي الرسالة التي أملاها عليها روكامبول ومآلها أنها تدعو المركيز إليها لإطلاعه على البرهان، فعادت إليه الهواجس وحاول مرارا أن يدخل إلى امرأته فيحملها بالكره على الإقرار، غير أنه ذكر اليمين التي أقسمها لابنة عمه، وهي أن لا يبوح لامرأته بشيء، فرجع عن غيه وكانت الغيرة تنهشه وتعض فؤاداه بأنبابها، حتى لم يعد يطيق صبرا على احتمال حالته الشديدة.
وقد خطر له أنه إذا ثبتت الجريمة على امرأته وقتلها يقتل نفسه أيضا، ثم تذكر أنه أقسم لابنة عمه أنه يتزوجها بعد قتل امرأته، ولكنه قال في نفسه: إن الموت يحل من كل عهد. فعزم على الانتحار الأكيد ودخل إلى غرفته فكتب وصيته، موصيا بجميع أمواله للفقراء، ثم ختمها ووضعها في درج ونادى أقدم الخدم عنده وقال له: يوجد في هذا الدرج أوراق مالية قيمتها 50 ألف فرنك وكتاب مختوم، فإذا غبت عن باريس أو إذا مت فإنك تأخذ المال لك، وتأخذ الكتاب إلى المسجل، ولكني أسألك أن تكتم السر فإننا لا نعلم ما يكون.
ثم أعطاه مفتاح الدرج وانصرف ذاهبا إلى ابنة عمه الهندية كي يسمع منها ذلك البرهان.
وكان روكامبول وفانتير خادم الأرملة عند الهندية حين قدوم المركيز، فلما علمت الهندية بقدومه قالت لروكامبول: هو ذا المركيز قد قدم، فهل نحن متأهبون لكل شيء؟ - نعم، استقبلي المركيز وأنا ذاهب فلا أعود إليك إلا في الساعة العاشرة، وسيبقى خادم الأرملة عندك كي يدل المركيز على المنزل. ثم تركها وانصرف، فأمرت الهندية خادم الأرملة أن يدخل المركيز إلى قاعة الاستقبال فامتثل.
ولما دخل المركيز ذهل لمرآى ابنة عمه ولشحوب وجهها، وكأنها علمت سبب انذهاله فقالت باسمة: إن ما تراه من الشحوب في وجهي هو من آثار السم. فمد المركيز يده وأراها الخاتم في أصبعه وقال: إذا كنت قد قلت الحقيقة فإن شفاءك بهذا الخاتم. - إني أؤيد قولي بالبرهان.
فاقترب المركيز وقال: هاتي برهانك إن كنت صادقة! - أتعرف ذلك الشاب الجميل الذي يلقب بشاروبيم لفرط جماله؟
فأجفل المركيز وتذكر أنه رآه مرة يلاطف امرأته في قصره وقال: نعم أعرفه. - إنه هو الذي أعنيه، وإن امرأتك لم تخنك إلا من أجل هواه.
واشتد غضب المركيز وقال: البرهان، البرهان. - إنه يقيم في منزل مجاور لمنزل الأرملة ملاسيس صديقة امرأتك الحميمة، وقد جرح مرة في مبارزة وكانت امرأتك تزوره في كل يوم.
وأعاد المركيز قوله بصوت يتهدج من الغضب: البرهان، البرهان. - اصبر ستعلم كل شيء، فإن هذه الأرملة واقفة على سر العاشقين، وإن المركيزة تحسب أنها في مأمن من انتشار هذا السر، واصبر أيضا فسأعطيك برهانا آخر. ثم قرعت بجرس كان على الطاولة، فدخل فانتير في الحال.
ناپیژندل شوی مخ