313

روکامبول

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

ژانرونه

فذهل الكونت وقال: كيف عرفت ذلك؟ - بل عرفت ما دار بيكما من الحديث، ألم يقل لك أنه لا يرجع عن رهان وينقض بالقول ما كتبه بالقلم؟

فذكر الكونت اليمين التي حلفها وقال: كلا، إنه لم يقل لي شيئا من هذا.

فأجابته باكارا بلهجة الحنو: إنك شريف وكل شريف يبر بيمينه، غير أني قلت لك أني ساحرة أخرق حجب الغيب، وقد علمت جميع ما قاله لك شاروبيم، ولكن هذا الرجل لا يعلم أنه حكم على نفسه بالموت، ثم سكنت هنيهة وقالت: إن هذا الرجل لو لم يكن غير نذل خسيس يفتخر بإغواء النساء لكنت أكتفي بطرده من هذا المنزل، غير أن شره لا يقتصر عند هذا الحد، فهو رجل مجرم سفاك، رضي أن يكون آلة صماء بيد رجل داهية لا يعرف اسمه، وهو يشاركه بجريمة هائلة يضيع عندها كل رحمة وإشفاق.

فحاول الكونت أن يسألها، غير أنها قاطعته وقالت: لا تسلني شيئا؛ فإن ما أقوله لك سر خفي لا يسعني إظهاره الآن، ولكني أريد أن ألقي عليك هذا السؤال، وهو أني إذا كشفت لك يوما بالبرهان الجلي مكائد هذا القاتل السفاك، ثم دفعته إليك وقلت لك أنه قد خسر الرهان فحق لك قتله، أتقتله؟ - أقسم لك أني أقتله دون شك؛ فإنه يستحق الموت مرتين.

37

تركنا الفيروزة تعبث بفرناند وليون كما يشاء فيليام ، وهي قد غادرت زوج سريز هائما مفتونا لا يستقر على حال من يأسه، ويبحث عنها في كل مكان ولا يجدها، وتركت فرناند متولها بحبها، وهو يحسبها هائمة وأنها من فضليات النساء لإيثارها الفقر على الغنى، ورفضها ما كان لها من النعمة، غير أن فرناند لم يكن يطيق أن يراها تقيم في غرفة حقيرة، فما زال بها حتى أقنعها على سكنى القصور، فاشترى لها قصرا بديعا وفرشه بأجمل الأثاث، وأحضر لها المركبات وأصائل الجياد بحيث تكلف عليها نصف مليون أول دفعة من ثمن هذا الحب الشائن.

غير أن أندريا لم يكن غرضه الاقتصار على كسب مال فرناند، بل إنه كان يريد سلب ماله وشرفه وحياته، وقد بدأ بسلب المال والشرف، فبقي عليه سلب الحياة. وكان قد هاج مكامن الغرام في صدر ليون وفرناند وجعلهما يحبان امرأة واحدة ابتغاء إثارة الغيرة في قلب ليون، وحمله على قتل مزاحمه، ولهذا دفع الفيروزة إلى مقاطعة ليون والاحتجاب عنه، حتى أوشك أن يجن من يأسه، وجعل يبحث عنها كل يوم في جميع أنحاء باريس وهو لا يهتدي إليها لفرط مبالغتها في الاحتجاب، فلما رأى أندريا أن وقت الانتقام قد دنا، أمرها أن تمر بمعمل هذا الرجل كي يراها، ثم علمها ماذا تصنع حين اجتماعه بها. فلبست أفخر ما لديها من الثياب، وركبت خير المركبات التي اشتراها لها فرناند، وأمرت السائق أن يسير الهوينا في الشارع الذي يوجد فيه معمل ليون، فامتثل السائق، ولما مرت المركبة بباب المعمل نظرت ليون جالسا على كرسي، مطرقا بنظره إلى الأرض، فمرت دون أن ينتبه إليها فاستمرت في مسيرها، ثم عادت فألقته واقفا على الباب ينظر إلى المارين نظرات القلق المضطرب.

وقد استلفت نظره صوت المركبة، فنظر إليها وهي لا تزال بعيدة عنه عدة أمتار، فاستوقف بصره حسن رونقها، ولباس سائقها وجمال جيادها، فأطال النظر بها حتى مرت به، ورأى الفيروزة تنظر إليه دون اكتراث كأنها ما عرفته من قبل، ثم ذكر أنها كانت عاملة فقيرة ورأى ظواهر نعمتها فجن من الغيرة، وعلم أنها لم تصده إلا لانشغالها بسواه من الأغنياء، فأسرع يعدو وراء مركبتها، حتى عثر بمركبة معدة للأجرة، فركب فيها ووعد السائق بجزاء حسن إذا أدرك مركبة الفيروزة.

فاندفعت المركبة في إثرها حتى أدركتها حين دخلت إلى حديقة القصر، فاستوقفها ليون وأطلق سراحها، ثم ذهب إلى القصر الذي أقفل بابه بعد دخول الفيروزة، فطرقه بكلتا يديه وهو يود لو تمكن من كسره، فخرج إليه البواب وقال له: ماذا تريد؟ - أريد أن أرى سيدتك في الحال. - لا بأس في ذلك، غير أن سيدتي لا تستقبل إلا من تعرفه.

فذكر له ليون اسمه، فاستوقفه البواب وذهب إلى الفيروزة يخبرها بأمره، ثم عاد إليه فقال: إن سيدتي لا تعرفك، ولكنها تستقبلك لتعلم ما تريد.

ناپیژندل شوی مخ