285

روکامبول

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

ژانرونه

فانذهلت الفيروزة وقالت: أتراه تخلى عنك؟ - بل أنا تخليت عنه، فقولي لي ألم تعلمي اسمه من ذاك السائق؟ - كلا، لقد أخبرني عن صفاته ولم يذكر لي اسمه، لأنه كان يجهله.

فحدقت بها باكارا وقالت: أصحيح ما تقولين؟

فتنهدت الفيروزة وقالت: هي الحقيقة بعينها، ومن ولج الحب الصحيح في قلبه بعد الكذب عن لسانه. - ألعلك أحببت هذا الحب؟

فوضعت يدها على قلبها وقالت: إصغي لي يا سيدتي، لقد كنت منذ أسبوعين أنظر إليك بعين الخيال، وأعجب بك أشد الإعجاب. أما وقد رأيتك حقيقة ورأيت علائم الصلاح بادية بين ثنايا وجهك، فقد تبدل ذلك الإعجاب بالاحترام، وأحببت أن أطلعك على حقيقة ما أعانيه كي يكون لي من كلامك الصالح بعض العزاء.

واعلمي يا سيدتي أني لا أزال أجهل القصد من زيارتك، ولكن مهما يكن هذا القصد فهو نبيل لا يمنعني عن أن أبوح لك بسري، فقد تسدين إلي نصيحة تخرجني من هذا الموقف الحرج الذي أنا فيه.

فتظاهرت باكارا بالإشفاق عليها وقالت: قولي ما تشائين، فلعلي أفيدك في ما تؤملين. - إن هذا المنزل الذي ترينني فيه هو لرجل كان يحبني فاشتراه لي ووهبني أثاثه، واتفق منذ أسبوعين أن كان عازما على السفر إلى لندرا، فخرج في الليلة التي كان عازما في صباحها على السفر وجلست أنتظره على هذا الكرسي إلى أن دقت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، فسمعت طرقا شديدا على الباب الخارجي، ثم سمعت أن باب الحديقة قد فتح، فأسرعت كي أرى من القادم، فرأيت عشيقي ومعه رجلان يحملان رجلا سالت دماؤه وهو مغمى عليه، فعلمت أنه تبارز مع عشيقي فجرحه وحمله إلى منزلي كي يتعالج فيه.

ثم سكتت كأنها تخاف أن تتم حديثها، ولكن باكارا شجعتها على إتمامه، فاندفعت في حديثها، وذكرت لها كيف أن فرناند أقام عندها ثمانية أيام، وكيف أنها أحبته وأشفقت عليه لأنه متزوج، فأخرجته من منزلها معصوب العينين كي لا يهتدي إذا أراد الرجوع إليه، ثم أخبرتها عن سفرها في اليوم التالي، وكيف أن فرناند لقيها خارج باريس وحملها على الرجوع، إلى غير ذلك مما علمه القراء. فلما أتمت حديثها قالت لها باكارا: والآن على ماذا عولت؟ - عزمت على أن أرجع عن هذا العيش الذميم، فأهجر هذا القصر واستأجر غرفة حقيرة فأعيش من عمل يدي شأن العاملات الشريفات.

فقالت لها باكارا وهي منذهلة مما تسمع: أتفعلين ذلك؟ - أجل، أفعله ما زال يحبني، ولا أريد منه سوى حبه فلا يقال إني أحببته لابتزاز أمواله.

فما كادت باكارا تسمع هذا القول حتى وقفت مغضبة، وقد اتقدت عيناها بشرر الغيظ، ثم دنت من الفيروزة فهزت كتفيها هزا عنيفا وقالت: إنك داهية شديدة الذكاء، إلا أنك تكلمين باكارا، وإني طالما مثلت قبلك مثل هذه الأدوار على هذه المراسح.

وكان قد تمكن الحقد من باكارا بحيث لم يكن يعوزها سوى الخنجر لقتل مزاحمتها على فرناند، أما الفيروزة فإنها لبثت في مكانها دون أن تظهر شيئا من ملامح الخوف، ولكنها نظرت إلى باكارا نظرة المنذهل، وقالت: لقد رابني انقلابك ياسيدتي، فإما تكوني قد جننت أو أنك تهوين الذي يهواني وأهواه. - نعم، فلقد صدقت في قولك الأخير.

ناپیژندل شوی مخ