أما ثروتي فهي عظيمة تكاد لا تحصى، ومصدرها غريب أيضا كغرابة ما ألقاه من العذاب الذي جازاني به الله عقابا عن ذنب هائل اقترفته في صباي.
ذلك أني كنت في سنة 1824 قائدا في الجيش، ولم يكن لي مستقبل غير سيفي، وكانت حرب الإسبان قد ابتدأت، فكانت فرقة الجيش الذي أنا فيه معسكرة في برسلون، وكنت أنا في باريس بالرخصة، فسرت منها مع اثنين من الضباط للانضمام إلى الجيش، وقد كان سفرنا على الجياد، فكنا نبيت في كل قرية نصل إليها عند ظلام الليل.
وإن الليل فاجأنا على بعد مرحلة من تولوز، فلم نجد سوى فندق صغير لجئنا إلى المبيت فيه بحكم الاضطرار.
ولم يكن بهذا الفندق من المسافرين سوى امرأتين قدمتا من بيريناس وفي تلك الليلة، وكانت إحداهما كهلة عجوزا، والثانية في عنفوان الشباب رشيقة القوام وضاحة الجبين غزالة العينين صبوحة الوجه، وقد قدمت مع أمها التي وصف لها الأطباء التجول، فاضطررنا إلى مشاركتهما في الحديث لما اضطررنا إليه من مشاركتهما في العشاء.
ولم تتهيبا منا، وكان لهما مزيد الثقة بنا بالنظر لملابسنا العسكرية، ولم يكن في الفندق غير غرفتين فناما بهما، أما نحن فبتنا في الفناء، وقد اتخذنا من القش اليابس رزما جعلناها وسائد.
وكنا في ربيع الشباب وطيش الصبا، وليس فينا من يزيد عمره على العشرين، فأثرت بنا المدام وهاجنا ما رأيناه من جمال الصبية، فاقترح أحدنا أن نقترع عليها، فقبلنا ذلك الاقتراع ضاحكين، واقترعنا فأصابتني القرعة دون رفاقي.
ولم يكن في الفندق ممن يخشى غير صاحبه، فرشوناه كي يتغاضى عنا، ودخلت إلى غرفة الصبية من النافذة، أما أمها فكانت تعول وتصيح، ولكن صياحها كان يسير في الهواء ولا يسمعه أحد.
وعندما طلع الصباح ذهبت برفاقي، وقد غادرت بالفندق تلك الفتاة مدنسة تعض البنان من الأسف، وتدعو علي الله في خلوتها، ولم أعلم منها سوى أنها كانت تدعى تريزا، وقد رأيت في جيبي بعد فرقها نوطا ذهبيا كانت تعلقه في رقبتها، ولا أعلم إلى الآن كيف وصل إلى جيبي، ولعل السبب في وصوله إلي أنه انقطع عند دفاعها، فسقط في جيبي اتفاقا.
ثم ذهبت ورفاقي إلى برسلونا لننضم إلى الجيش، وفي أول معركة قتل رفيقاي، فأعددت ذلك عقابا لما وإنذارا لي، وكان صوت سري يقول لي: إن الله لم يعاقبك في المعارك إلا ليبلوك بعقاب أعظم.
ثم توالت الأيام ودرجت الليالي، فنسيت ذنبي إلى أن وصلت إلى الثروة، وها أنا مظهر لك كيف وصلت إلي.
ناپیژندل شوی مخ