277

روکامبول

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

ژانرونه

وذهب بها إلى الفندق، فدار بينهما حديث طويل أسفر عن رضى تلك الفتاة بالرجوع مع فرناند إلى باريس بعد أن تعاقدا على الحب واستوثقت منه بأشد المواثيق، وفي المساء عادا إلى باريس فذهبا إلى منزلها، وكان جواد فرناند لا يزال يرافق المركبة، فأمرت خادمها عند الصباح بإرجاعه إلى منزله بعد أن علمته ما يقول كما علمناه حين سألته هرمين.

19

ولنعد الآن إلى باكارا التي ستمثل أعظم دور في هذه الرواية العجيبة، فنقول إنها بعد أن تابت إلى الله توبة صادقة إثر غرامها بفرناند، جعلت قصاراها إغاثة المعوزين ودفع نكبات الدهر عن البائسين بالإنفاق عليهم من مالها الخاص، ومستعينة بأموال الكونت دي كركاز، وكانت صارفة معظم اهتمامها إلى إنقاذ البنات الفقيرات من وهدة البغي الذي يدفعهن إلى هاوية الجوع، وما يلقينه من المسكنة والمذلة.

وقد اتفق لها في تلك الليلة التي وقع فيها فرناند بشرك الفيروزة أنها أنقذت ثلاث أخوات إسرائيليات من السقوط في هذه الهاوية، فجعلت الكبرى وصيفة لإحدى ربات القصور، وأدخلت الثانية في أحد معامل الخياطة، وعادت بالصغرى إلى منزلها وهي تؤمل متى طالت صحبتها لها أن تجعلها تعتنق الديانة المسيحية لفرط تعصبها بدينها بعد أن تابت تلك التوبة الصادقة.

وكانت الفتاة الإسرائيلية بارعة الجمال، وقد بالغت باكارا بملاطفتها حتى استأنست بها وتعلق بها فؤادها، فلما عادت بها إلى المنزل خصصت لها غرفة فيه، وأوصت بها الخدم خير وصاية، وفيما هي تلقي عليها الإرشاد وتبث فيها روح الفضيلة كي تستأصل من نفسها ما خلفته دواعي الشقاء من مبادئ البغي والفساد، إذ دخلت عليها الخادمة تخبرها بقدوم أختها سريز، وكانت لا تزورها إلا في النادر لانصرافها عن الزيارات.

وفرحت بقدومها فرحا شديدا، غير أنها ما أوشكت أن تراها حتى تراجعت منذهلة لما رأته من شحوبها ونحولها، ثم أكبت على عنقها تقبلها باكية وهي تقول: أختاه ماذا أصابك؟

ولم يكن نحول سريز إلا لما لقيته من انشغال زوجها بحب سواها وهيامه بالفيروزة، وهو يحسبها إحدى العاملات، فشكت لأختها جميع ما تلقاه من انحراف ليون عنها، وقالت إنه لولا ولده لما قدم إلى البيت، وإنه لا يأتي من محل عمله إلا حين الحاجة الشديدة لافتتانه بمن يهواها، وإنه لا يعاملها إلا بالنفور، وإذا عاتبته ابتدرها بالقول الغليظ والسخط والحدة إلى غير ذلك مما يفسد عيش الزوجين، وآخر ما قالته أنها باتت تخشى عليه أن يصاب بالجنون؛ فإنه حين يبيت في المنزل يلبث طول ليله سهران يجول في ردحة البيت لا يكلم أحدا ولا يريد أن يكلمه أحد.

فسمعت باكارا جميع قول أختها وهي آسفة متوجعة، ثم سألتها أتعرفين هذه الفتاة التي يهواها؟ - كلا! - أتتهمين أحدا بإغرائه على هذه الخيانة؟ - كلا.

وجعلت تبكي وهي متكأة على صدر أختها بكاء الأطفال، وفيما هي تعزيها وتعدها الوعود الجميلة إذ دخلت الخادمة تقول: سيدتي، إن الفيكونت أندريا يطلب مقابلتك.

فأجفلت سريز عند سماع اسمه، ونظرت إلى أختها نظرة الخائف الوجل، ثم قالت: قلبي يحدثني بأنه لم يسلبني قلب زوجي سوى هذا التائب.

ناپیژندل شوی مخ