وكأن هذه الكلمة التي خرجت من فم هذا الرجل الهائل كانت قضاء مبرما على أرمان دي كركاز، وحكما بموته لا يدفع.
فسأله روكامبول: لقد أخبرتني بأسماء الذين تريد الانتقام منهم، ولكنك لم تقل لي شيئا عن طريقة الانتقام.
فابتسم أندريا ابتسام الأبالسة وقال: إن من يريد الانتقام لا يكشف طرق الانتقام، بل يبقيها مكتومة في صدره.
فغير روكامبول مجرى الحديث وقال: إذن فقد عولت على أن تستمر على زهدك الحاضر. - أجل. - أفي مثل هذا الشتاء القارص تنام بغرفة لا نار فيها؟ - إن في قلبي من نار الانتقام ما يكفيني للاصطلاء. - أتشتغل جميع ساعات النهار في ضبط الحسابات ومسك الدفاتر في مخزن حقير؟ - كلا، فإن أخي العزيز قد كفاني مئونة هذا العمل الشاق، فجعلني رئيسا لبوليسه السري.
ثم أخبره بجميع ما كان بينه وبين أرمان، وكيف أنه سيضل هذا البوليس فلا يدعه يقف على شيء من أسرار جمعيتهم السرية. ولما انتهى من حديثه سأله روكامبول: لقد كتمت عني طريقة انتقامك، أفتكتم عني أيضا هذا السر الذي ألفنا من أجله هذه الجمعية؟ - نعم، أخبرك بما يجب أن تعلمه، أي بالمقدمات التي لا بد من إيقافك عليها، فاسمع: إن هذا المركيز الذي يدعى فان هوب والذي يقدرون ثروته بالملايين، لو لم يتزوج لكانت ثروته تقدر بأضعاف ما هي عليه الآن، وذلك أنه كان لهذا المركيز عم فقير، فبرح وطنه الهولندي في صباه وسافر إلى الهند، فدرت له أخلاف الثروة وتزوج بامرأة هندية، فولدت له بنتا ترك لها مهرا يبلغ عشرين مليونا، وقد ذهب المركيز فان هوب منذ عشرة أعوام لزيارة عمه في الهند، فأقام عنده زمنا طويلا وأحبته ابنة عمه حبا شديدا، وقد جاهرت به لأبيها وأخبرته أنها لا تتزوج سوى ابن أخيه. فرضي الأب بهذا الزواج وتوافق عليه العاشقان.
وكان المركيز قبل الخطبة عازما على الطواف حول الأرض، فأجل الزواج إلى انتهاء الطواف وودع الخطيبة ورحل.
وقد بدأت رحلته من جزائر الأتيل، حتى إذا بلغ إلى هافانا رأى فيها فتاة شغفت لبه وملكت قياده، فنسي ابنة عمه وحنث بوعوده واقترن بتلك الفتاة.
فقال روكامبول: يا له من أبله! أيترك عشرين مليونا كي يمتثل لصوت فؤاده الضعيف؟ - ولكن امرأته غنية أيضا، وهو يحبها حبا بلغ به حد العبادة، غير أن هذا المركيز لم يفطن لتلك الجذوة التي أشعلها في قلب ابنة عمه، فقد كانت تحبه حبا لا يحيط به وصف ولا تزال، وقد مضى على زواجه ثمانية أعوام، وهي تحبه ذلك الحب الشديد ولكنه حب مقرون بالانتقام. - إذن تكرهه؟ - كلا، بل إنها تعبده، ولكنها تريد الانتقام من خصيمتها فيه، ومن كان له عشرون مليونا فلا يصعب عليه مثل هذا الانتقام. - هذا ميسور، وأنا أتعهد لها بقتل امرأة المركيز إن أعطتني مائة ألف فرنك.
فقال أندريا ببرود: إنها ستعطيني خمسة ملايين.
فدهش روكامبول وقال: متى وعدتك؟ - منذ عام. - أتعدك بهذه الثروة الطائلة منذ عام، وتصبر عليها إلى الآن؟
ناپیژندل شوی مخ