وقد تكاثرت الإشاعات عنه في ذلك العهد واختلفت الروايات، غير أن الأكثرين كانوا مجمعين على أنه قنط لغرامه من الحياة، فالتجأ إلى أحد الأديرة وانقطع لخدمة الله، وهي الرواية الصادقة، فإن دي بوفوازين هو الآن رئيس الدير الذي يدعى الأب جيروم ولا يدري بسره أحد.
أما الكونت دي مازير فإنه شفي في هذه المدة من جرحه، فعاد إلى ميونخ وعلم هناك أن كريتشن صارت زوجة لأخيه فاسترسل في البدء إلى اليأس، ولكنه لم يمر به عهد قريب حتى تناسى غرامه القديم.
وقد كان مثلنا جميعا واثقا بصدق الأميرة وعفوها عن كريتشن، كما أنه كان واثقا مثلنا أيضا أن أخاه الشفالييه يحبها ويجعلها من النساء السعيدات.
وأما الأميرة فكانت لا تزال تقاوم ذلك الداء الذي كاد يودي بها، فأشار عليها الأطباء بالسفر إلى إيطاليا فسافرت إليها مع زوجها الكونت، وبقيت كريتشن في القصر مع زوجها الشفالييه فولدت منه بنتا ... وهي أنت يا أورور.
وهنا توقف بنيامين هنيهة فمسح دمعة قطرت فوق خده، وعاد إلى الحديث فقال: إن الأميرة قد سافرت وتركت انتقامها في القصر.
ولم تكد تسافر حتى بدأ الشفالييه عذابها، وبدأت النورية تسميمها، ورفعت والدة لوسيان نقاب الرياء والتدليس فجاهرت بعدائها.
أما أنا فلم أكن أستطيع إنقاذها من أولئك الظالمين، وقد ذعرت ذعرا قويا حين شاهدت أمك قد أخذ منها الضعف والوهن، فإن تلك النورية الهائلة قد سقتها سما هائلا يقتل بعد نزع طويل.
وكانت قد ولدتك في ذلك الحين، فإذا ابتسمت لك نسيت آلامها وعذابها، وإذا افتكرت بأختك انقبضت نفسها، فإن الأميرة أخذتها معها إلى إيطاليا مبالغة في الانتقام.
مضى على ذلك عامان كانت أمك تزيد في خلالها اصفرارا ونحولا ويأسا، فإن السم كان يفسد دمها والشفالييه يعذبها ويؤلمها كل يوم بذكر زلتها مع أخيه، ووالدة لوسيان لا تنفك عن نكايتها، إلى أن استفحل يأسها فدعتني إليها وقالت لي: إني يا فريتز مشرفة على الموت.
فصحت صيحة ذعر لما شاهدت من دلائل ضعفها وإشرافها حقيقة على الموت وقلت: ما أصابك يا سيدتي؟ - إنهم دسوا لي السم يا فريتز وصارت أيامي معدودة، فأقسم لي أنك تسهر على ابنتي من بعدي ...
ناپیژندل شوی مخ