فقد كان هذا الفتى ذكي الفؤاد شديد الصبر على المكاره، فلما رأى أن القوة في جانب الشفالييه عمد إلى الحيلة فتظاهر بالتسليم والرضوخ لما قدر له؛ لأنه كان يعلم يقينا أن الشفالييه يقتله إذا كابر.
وقد كانوا قيدوا يديه وجعلوهما وراء ظهره بحيث بات نحو نصف ساعة لا يستطيع حركة لمتانة القيد.
وكان ملقى على ظهره، فبينما هو على هذه الحال سمع أصواتا غريبة فوق رأسه.
ثم شعر كأن أنفاسا تهب على وجهه، ثم صاح صيحة منكرة إذ أحس بالجرذان والفيران تصوصي من حوله، فذعر ذعرا عظيما حتى إن الرعب ضاعف قوته فتمكن من الجثو على ركبتيه.
غير أن الجرذان بقيت تطوف حوله وهو يئن أنينا مزعجا؛ إذ لم يكن يستطيع الدفاع.
على أن الجرذان أجفلت لأنينه فهربت بحيث تمكن الأحدب أن يبلغ زحفا إلى الجدار ويستند عليه فيقي ظهره عضها.
ولكن الجرذان لم تلبث أن عادت إليه، وكأنها أيقنت ووثقت من عجزه فلم تعد تحفل به.
وعضه أحدها عضة مؤلمة هاجت أعصابه، وزادت قوته فتمكن من قطع قيد ساقيه فوقف وجعل يركض في هذا القبو المظلم وقد ملء قلبه رعبا، فكان يدوس برجليه تلك الجرذان وهي تبلغ المئات.
وظل العراك بينه وبين الجرذان نحو ربع ساعة وهو يركض كالمجانين، فيبلغ برجليه من رءوسها ما تبلغ أنيابها من لحمه، فقد صعد بعضها على جسمه حتى بلغ وجهه.
فكان إذا شعر بدبيبها على خده ألقى نفسه إلى الأرض ومرغ وجهه فيها فتقلب عليها تقلب الملسوع، ثم رجع إلى الوقوف فكان إذا سحق بقدمه جرذا صاح صيحة ألم، فأجابه الأحدب بمثلها لأن رفاق الجرذ القتيل كانت تنتقم للفور.
ناپیژندل شوی مخ