قال ليون بلهجة الحزين: إن هذا محال. ألم تكن تستغيث؟
فقال كولار: مسكين أنت يا ليون، إنك لا تعرف أخلاق النساء، فإني رأيتها على أتم السكون، بل رأيته يحدثها وهي تبتسم له ابتسام الرضى والحب.
فهاج ليون لما سمع وقال: إنك تكذب، وأنت منخدع، فليست سريز التي رأيتها؟ - إنها هي بعينها، فلم أخدع ولا أنا كاذب. - إلى أين كانت تسير؟ - في طريق الوادي، فلم أعلم بعد ذلك شيئا لأني لم أتبعها.
فقال بلهجة الانتقام: كولار إنك ستذهب معي إلى بوجيفاك حيث نبحث سوية عن سريز، وسنبيت هناك إذا لم نتوفق للقائها إذا الظلام قد أقبل.
فتظاهر كولار أنه يفتكر ثم قال: نعم، سأذهب معك وسنجدها بإذن الله، غير أني لا أستطيع مبارحة باريس قبل ساعة، فانتظرني ريثما أعود. ثم ودعه وانصرف، وارتأى ليون بعد ذهابه أن يخبر الكونت أرمان كي لا يفوته شيء من أمر هذه المكيدة، فكتب له رسالة أوقفه فيها على ما دار بينه وبين كولار، وكيف أنه سيذهب معه بعد ساعة إلى بوجيفال، ثم ختمها وخرج ليبحث عمن يوصلها إليه، ولقي اتفاقا صديقه المخلص كينيون، وأطلعه على جلية الأمر، وكلفه أن يوصل الرسالة إلى الكونت.
وقال له كينيون: إني ناصح لك أن لا تسير مع هذا الرجل ولا تثق به، فإنه يضمر لك كيدا وقد حذرتك منه مرارا. - إنك مخطئ في رأيك به، فهو لي ولا بد من الذهاب إلى بوجيفال. - أنت بعد ذلك وشأنك، لقد بذلك لك ما يجب علي من النصح، ولم يبق علي سوى أن ألتمس منك أمرا واحدا. - ماذا؟ - هو أن لا تخبر صديقك كولار بهذه الرسالة التي سأذهب بها إلى الكونت. - أعدك بأني لن أحدثه بشأنها.
ثم افترقا فرجع ليون إلى القهوة وذهب كينيون إلى منزل أرمان فأعطاه الرسالة، وأخبره عن سوء ظنه بكولار وأنه يكيد لليون.
قال أرمان: إذن هلم معي إلى حيث ليون، وإننا سنسير بأثرهما إلى بوجيفال متنكرين. أما كولار فإنه ترك ليون وذهب توا إلى نيكولو وأمره أن يسير مع رفيق له إلى بوجيفال، وأوقفه على المكيدة، ثم عاد إلى ليون ووجده بانتظاره، وركب وإياه مركبة وسارا.
ولم يكن ليون يفكر سوى بأمر واحد، وهو أن يجد سريز وينتقم من خاطفها، وكان يهيج هياج المجانين ويتهدد السماء بيده، ثم يعود إلى السكون وتهدأ عاصفة غضبه، ويضع رأسه بين يديه ويفكر تفكير الحزن.
وقد رأى ليون أن الليل قد جن، فنظر إلى كولار وقال: إن الظلام قد ادلهم، والأفق مربد بالضباب، فكيف نبحث عنها في الليل الدامس؟ قال كولار: إن الظلام أفضل من النور، وفي مثل هذه الشئون أؤثر أن نصل ليلا فنبيت في فندق بوجيفال، وهو فندق يقدم إليه أكثر خدم الأغنياء في تلك الجهات، فربما علمنا منهم ما يدلنا على مكان سريز. وقنع ليون بهذا الجواب، وعاد إلى تأملاته.
ناپیژندل شوی مخ