فأخذت باكارا رأس السجين بين يديها وقبلته في جبينه قبلة عاشق مفارق، وقالت: لا بد من تبرئتك، ولو آل الأمر إلى اتهام نفسي مكانك، وويل لك يا سير فيليام، وكن على حذر. ثم خرجت بعزة وكبرياء كأن غرامها الصحيح قد جعلها عند نفسها من أطهر النساء، وعادت إلى مدير الشرطة وزادته إيضاحا في الأمر، ووعدته بأنها لا تخرج من باريس، وأنها مستعدة لإجابة الحكومة عند استدعائها. ثم ذهبت إلى منزل الكونت أرمان فدخلت عليه وهو يقول لليون: لا يمكن أن تنحل هذه الدسيسة إلا إذا قابلنا باكارا.
ولما رآها ليون داخلة وثب إليها وهو يقول: أين سريز، وماذا فعلت بها؟
فاصفرت الفتاة وقالت: أليست في منزلها؟ - لا، لقد فقدت منذ ثلاثة أيام. - ويل لهم لقد خطفوها! - ومن هم! - السير فيليام وبيرابو.
ولما لفظت اسم فيليام نظر أرمان إلى بستيان، وقال: أرأيت أنني عرفته وهو أندريا بعينه.
ثم سكت ليون، وأخذ بيد باكارا، وقال: تكلمي ولا تخافي، نحن من أصدقائك.
وقصت عليه القصة التي حكتها لفرناند، فارتجف الكونت من هول ما سمع وقال: قد وضح الأمر الآن، فإن يد أندريا في كل هذه الأمور ولا أقدر عليها منه، وهو قد عرف أن بنت بيرابو هي ابنة كرماروت، وقد اتفق مع بيرابو على هذا الأمر، وكلاهما مشتركان في هذه السرقة التي اتهم بها فرناند.
ثم صرف باكارا وهو يقول والغيظ يحنقه: احذر أيها الأخ العزيز، فقد فتحت بيننا حربا لا هدنة فيها ولا شفقة. •••
وقد كشف أرمان تقريبا الحجاب عن هذه المكيدة، وثبت لديه أن بيرابو شريكه فيها، فأخذ يتراوح بين رأيين؛ إما أن يشكوهما إلى الشرع، وإما يحتال لبلوغ مآربه من إنقاذ فرناند وحنة وسريز، أما الرأي الأول فقد خشي أن يفشل فيه؛ إذ ليس لديه من الشهود غير باكارا، وفوق ذلك فإن السير فيليام غائب عن باريس، وإن إشهار جريمة بيرابو يمس بكرامة هرمين، أما الرأي الثاني فهو شديد الخطر غير مضمون النجاح، غير أنه رأى أن يسير، فإذا فشل فيه عاد إلى الأول، وعلى هذا أمر باكارا أن لا تخرج من المنزل، وأوصى ليون أن يأتي إليه في كل يوم، وأن يدخل من باب سري في الحديقة، وأخذ يسعى في التفتيش على حنة وسريز، وأول ما شرع به أنه أحاط برجال المنزل الذي ذهبت إليه سريز في شارع الحية، وهو المنزل الذي دهمها فيه بيرابو، واختطفها منه كولار، فأمر أن يراقبوا جميع من يدخلون إليه ومن يخرجون منه.
أما فاني فإنهم انتبهوا إليها في الصباح وهي في آخر رمق من الحياة، فحلوا قيودها، وعلموا منها كيف كان هرب باكارا، فأطلقوا سراحها، وذهبت توا إلى منزل السير فيليام لتخبره بما جرى، وكان قد سافر، فأخبرت كولار الذي جمد لهذا النبأ كمن أصيب بالصاعقة، وقال في نفسه: إذا اجتمعت باكارا بليون فقد ضاعت كل آمالنا، وذهبت أمانينا أدراج الرياح. وقد عزم في البدء أن يكتب إلى السير فيليام يستقدمه، ولكنه رأى أن رجوعه يؤخر عقد الزواج وكسب الملايين، فعدل عن ذلك وقرر الإسراع في قتل ليون، وذهب يبحث عنه في المحل فلم يجده فيه، وأخبره رئيسه بما حل به بعد فقد خطيبته من اليأس، فتركه وانصرف يبحث عنه في جميع الأنحاء حتى لقيه في الساعة الخامسة خارجا من منزل أمه، فدنا وسلم عليه، وقال له بصوته الكئيب: كيف أنت أيها الصديق؟ - إني أكاد أجن من اليأس. - إني أعرف كل شيء أيها الصديق، وشهد الله إننا في هذا المصاب سواء، أنت تعلم حبي لك.
فاختلج ليون وقال: أنت تعرف كل شيء؟ - نعم، أعرف أيها الصديق أن سريز رحلت عنك. - قل إنها قد اختطفت. - لا، بل قل إنها قد سافرت، فإن الصبايا يختطفون في بلدة مثل باريس.
ناپیژندل شوی مخ