ذلك، ولا عمل على قلبه حزن ذلك، ولا هو فرح بما أصاب، ولا حزن على ما توى وذهب، لامتلاء قلبه بفرح تلك الدنانير، التي هي ملء بيت؛ فكذلك من فرح قلبه بالله ﷿، استغنى بالله ﷿، فلا تملك قلبه بعد ذلك أفراح الدنيا، لأنه لا يستغني بالدنيا، إنما غناه بالله تعالى؛ وهذا تأويل قول رسول الله ﷺ: (ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغني غني النفس). فالنفس إذا استغنت، فغناها بغنى القلب المشرق نوره في صدره، فإذا اطمأنت النفس بما أشرق فيها من النور بالله ﷿، أشرق النور فيه إلى الله ﷿، فقد رق عندها نوال الدنيا من أولها إلى آخرها، في جنب ما عاين القلب، وأورد من حياة على النفس؛ فهذا شأن النفس إذا وصلت إلى ربها ﷿ بوصول القلب، فإنما قلنا إنه لا يدع لنفسه قرارًا على شئ من أعمال البر، فكلما فرحت النفس بشيء من الدنيا، أو بعمل من أعمال البر، قطع عنها ذلك الفرح حتى يغمها، حتى يطهر القلب من أفراح النفس، فهناك يرحم، لأنه إذا وصل إلى هذه المرتبة، بقى بلا أنس ولا فرح، قد قطع عن نفسه أفراح الدين والدنيا، فهو يحفظ جوارحه عن كل ما نهى الله ﷿، وعن كل شيء من الفضول، فيقيم الفرائض والسنن، لا يزيد عليها، كفى بهذا شغلًا، ولذلك قال رسول الله ﷺ: (أد ما افترض الله عليك، تكن من أعبد الناس؛ واجتنب محارم الله ﷿، تكن من أورع الناس؛ وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنًا). فهذا المؤمن المستكمل المستحق لاسم الإيمان عند إقامة هذه الخصال الثلاث، فكفى بهذا شغلًا، فهذا عبد صدق الله ﷿ في العبودية. وأما سائر الناس من غير أهل هذه
1 / 56