والنّاس فيها على ضربين: عالم، وعامي، فالعامي يَجوز له تقليد العلماء، والأخذ بقولهم، لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (١). ولأن طلب العلم من فروض الكفايات، فلو قلنا يجب على كلّ واحد أن يتعلم لجعلناه من فرائض الأعيان، ولأدى ذلك إِلَى قطع المكاسب والمعاش.
[هل يجتهد السائل فِي عين المفتي أَو يأخذ قول أي مفتي]
وإذا ثبت ذلك، فهل عَلَيْه أن يجتهد فِي عين المفتي أم لا (٢)؟
فالصحيح من المذهب: أَنَّهُ لا يلزمه الاجتهاد فِي عين المفتي، بل يأخذ يقول أيهم شاء؛ لأنه لما سقط عنه الاجتهاد فِي الحكم؛ سقط عنه الاجتهاد فِي عين المفتي (٣).
وَقَالَ الخرقي (٤) رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إِذَا اختلف اجتهاد رجلين لم يتبع
_________
(١) سورة النحل: الآية ٤٣.
(٢) إِذَا ثبت ذلك أي بأن النّاس على قسمين عامي وعالم، فهل على العامي أن يستفتي أي مجتهد أم لابد له أن ينظر إِلَى أفضلهم فيستفتيه. انظر: العدة لأبي يعلى (٥/ ١٥٧١)، وروضة الناظر لابن قدامة (٢/ ٣٨٥).
(٣) وصححه أَبُو يعلى وابن قدامة وأكثر الحنابلة وَقَالَ بها الحنفية والمالكية وأكثر الشافعية، وتوقف الطوفي وَقَالَ هذا القول أسهل والثاني أحوط ولم يرجح. انظر: تيسير التحرير لأمير بادشاه (٤/ ٢٥١)، وفواتح الرحموت للأنصاري (٢/ ٤٠٤)، وإحكام الفصول للباجي (٢/ ٢٧٠)، وتقريب الأصول لابن جزي ص ٤٦٠، وشرح اللمع للشيرازي (٢/ ١٠١١)، ونهاية السول للإسنوي (٢/ ١٠٥٥) العدة لأبي يعلى (٥/ ١٥٧١)، وروضة الناظر لابن قدامة (٢/ ٣٨٥)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (٣/ ٦٦٦)، وأصول الفقه لابن مفلح (٤/ ١٥٥٩)، ومختصر أصول الفقه لابن اللحام ص ١٦٧.
(٤) هو عُمَر بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي، قرأ على صالح وعبد الله ابني الإِمام أحمد، وقرأ عَلَيْه شيوخ المذهب منهم ابن بطة وأبو الحسن التميمي، له مصنفات كثيرة فِي المذهب =
1 / 76